الجمعة، يونيو 20، 2008

الكشاف التحليلي لصحيفة صوت الحجاز 1350-1360 / 1932-1941


الكشاف التحليلي لصحيفة صوت الحجاز 1350-1360 / 1932-1941

المؤلف : دارة الملك عبدالعزيزالسعر : -نبذة مختصرة :كشاف للمواد المنشورة في صحيفة صوت الحجاز خلال مدة صدورها والتي بلغت عشر سنوات بداية من 1350/11/17هـ إلى أن توقفت عن العمل ويشتمل على جميع الموضوعات التي كانت تنشر فيها: من أخبار وخطب ومقالات متنوعة وغيرها، إلى جانب الأوامر الملكية والإعلانات الرسمية الصادرة في ذلك الوقت. وقد رتبت مواد الكشاف على سنوات الصدور وأرقام الأعداد وتحديد موضوع المادة ورقم الصفحة المنشورة فيها وإيراد نبذة يسيرة عن مضمونها. إن الهدف من إصدار هذا الكشاف هو أن ييسر على الباحثين والمهتمين سبل الاطلاع على محتويات تلك الصحيفة التي تعد رائدة من رواد الإعلام لكونها أول صحيفة أهلية تصدر في المملكة العربية السعودية

المعارك الأدبية في صحيفة "صوت الحجاز" 1350-1360هـ/1932-1941م

تعتبر صحيفة صوت الحجاز، رغم عمرها القصير الذي لم يستمر سوى عشر سنوات، ورغم ظروفها الصعبة، الرحم الحقيقي الذي تفتّح ونشأ فيه أدبنا المحلي الحديث. فقد ظهرت في مكة المكرمة بعد حوالي سبع سنوات من ظهور صحيفة أم القرى، وظلت الصحيفة السعودية الوحيدة التي تُعنى عناية فائقة بالأدب والأدباء قبل ظهور صحيفة المدينة المنورة ومجلة المنهل سنة 1355هـ/1937م، أي بحوالي خمس سنوات. ونحن نجد أنّ كثيرًا من روادنا الشباب لم يُعرفوا في صحيفة أم القرى بل عرفوا في صحيفة صوت الحجاز، وذلك من أمثال أحمد السباعي وحمزة شحاته ومحمد حسن فقي وعزيز ضياء ومحمد سعيد العامودي ومحمد علي مغربي وأحمد قنديل إلخ. ويقول محمد الشامخ عن أهمية صوت الحجاز في تلك الحقبة: "وفي الحقيقة إنّ ظهور صوت الحجاز يعتبر من أبرز المعالم في تاريخ الأدب الحديث في هذه البلاد، ذلك لأنها قد أصبحت لسانًا لحال كثير من الكتّاب في العقد الرابع وأوائل العقد الخامس من هذا القرن [العشرين]، وميدانًا لعدد من المعارك الأدبية التي شهدها هذا الأدب في تلك الفترة…"(1). لقد كثرت المقالات النقدية في صحيفة صوت الحجاز والتي تتناول بعض القصائد والمقالات المنشورة غالبًا في الصحيفة نفسها، أو في صحيفة المدينة المنورة ومجلة المنهل. وقد اتخذ ذلك النقد طابع الحدة والعنف، لأنّ معظم من يكتبونه كانوا من الشبان الذين يغلب عليهم طابع الغضب والاندفاع، إضافة إلى تأثرهم بالمعارك النقدية المحتدمة في ذلك الوقت في بعض البلدان العربية، ولا سيما مصر. لذلك فإننا نجد أنّ النقد كثيرًا ما ينحرف إلى خصومات شخصية بي كاتبين أو أكثر، وكثيرًا ما يتدخل أهل الخير أو الصحيفة نفسها لتهدئة المعارك وفض المنازعات. وسنتناول فيما يلي بعض تلك الخصومات التي لا يخلو بعضها من ثقافة رفيعة وحسّ نقدي متميز. أولاً: يبن محمد سعيد عبدالمقصود (الغربال) وأحمد السباعي (المنسف): في مقالة "الغربال" التي نشرها في صحيفة صوت الحجاز، العدد 45، 1351هـ/1933م بعنوان "الغربال ومخاصموه" ما يلقي ضوءًا على المعركة أو المعارك التي تعرّض لها محمد سعيد عبدالمقصود إثر نشره بعض المقالات عن الأدب في الحجاز. ولم يكن متبرّمًا من ذلك النقد بل كان محبذًا لما يعتبره صحوة قلمية تدل على الحياة وعلى الحركة. وهو يستشهد في هذا المقال بطاغور، شاعر الهند، الذي يقول: "لا تصحو أمّة من نومها ولا تنهض إلا تحت ثورة قلمية، ولا يسعد الشرق إلا بائتلافه". وفي مقالتين أخريين يتحدث ابن عبدالمقصود عن "الغربال ومنتقدوه"، ويركز على نقد "المنسف"، أي أحمد السباعي. ولكن ابن عبدالمقصود يرجع بعد حوالي أربع سنوات، سنة 1355هـ/1936م، ويكتب باسمه الصريح مقالة بعنوان "على هامش ملاحظات حرة إلى الصديق السباعي" ينتقد فيها "صديقه" السباعي الذي ينحو نحوًا فكاهيًّا في أسلوبه، ويتطرق إلى موضوعات غير مهمة، ويقول إنّ السباعي كان قاسيًا في مقالته عن الطيران السعودي وفي حديثه عن اليوبيل الفضي لمدرسة الفلاح. أما السباعي فإنه ينتقد ابن عبدالمقصود ويتهمه بالكبرياء والغرور، وقد تحدّث عنه في مقالتين سماهما "معجزة عصرنا الزاهر-الغربال"، وأشبعه تهكمًا وسخرية. وفي مقالته "ملاحظات حرة على هامش ابن عبدالمقصود" التي نشرها في العدد 214 سنة 1355هـ/1936م، يردّ السباعي على نقد ابن عبدالمقصود واتهامه له بالقسوة في النقد والسخرية. ويقول: إنّ الأسلوب الفكه أسلوب فني لا يحسنه ابن عبدالمقصود الذي يرسل مقالاته باردة لا روح فيها. كما يردّ على نقده له في اختيار الموضوعات واتهامه له بالقسوة. وفي مقالتي محمد راسم "من هو الغربال؟" يقف الكاتب إلى جانب السباعي ويقول عن ابن عبدالمقصود إنه يكتب في كل شيء، ويتهمه بالسرعة أو التسرع في كتاباته، وإنه يحشر نفسه في اختصاصات الطبيب والاقتصادي والاجتماعي إلخ، أي أنه يدعي معرفة كل شيء. ثانيًا: بين العَواد والأنصاري كتب "صاحب التأملات" محمد حسن عواد عدة مقالات ينتقد فيها بعض أقاصيص عبدالقدوس الأنصاري. الأولى عن قصته "مرهم التناسي"، وقد نشرت في العدد 81 سنة 1352هـ/1933م، وفيها يتهم الأنصاري بأنه قد أقحم نفسه في فن لا يحسنه، وهو الفن القصصي، وكان الأَولى به ألاّ يتجاوز اختصاصه وهو اللغة والنحو. ويمضي العَواد في نقده اللاذع للأنصاري، موضحًا له أصول الفن القصصي ومبينًا عيوب قصته الحالية "مرهم التناسي". ويقول العواد إنّ هذه القصة تحمل نفس العيوب التي وجدها في قصته الأولى "التوأمان" والتي كان قد نشرها قبل حوالي عامين. وفي مقالة تالية يشدد العواد انتقاده للأنصاري، ويتجاوز النقد إلى أمور شخصية. ولا ينسى العواد إطراء نفسه والإشادة بمواهبه الشخصية. وفي مقالة العواد الثالثة والمنشورة في العدد 87 من صحيفة صوت الحجاز وهي بعنوان "تأملات في الأدب والحياة-عود على قصة مرهم التناسي"، يشرح الكاتب النقاط العشر التي سبق أن أخذها على قصة "مرهم التناسي"، ومنها انعدام الجو الفني، وقصر النظرة إلى النفس الإنسانية، وبُعدها عن حقائق علم النفس، والمفاجأة البشعة في "انتقال الأخلاق"، وخلوّ القصة من الخيال الممتاز، واحتواؤها على "البلى والبرود والتفاهة". أما الأنصاري فإنه يردّ على العواد بمقالة عنيفة بعنوان "تأمّلة جوفاء ونقد متهافت-حول نقد صاحب التأملات لقصة مرهم التناسي". وقد جعل نقده للعواد في ست نقاط على النحو التالي: 1- مهزلة ادعائه أنه ناقد فنّي. 2- مهزلته إزاء رواية "التوأمان". 3- مهزلة في بردعة بعير. 4- مهزلة في التعداد. 5- مهزلة المهازل. 6- كلمة الختام. والأنصاري يكيل للعواد كما قد كال له سابقًا، ولكنه لا يجاريه في الإقذاع، كما يمتدح قصصه ويقول عنها إنها رائعة وفنية. وقد هبّ للدفاع عن الأنصاري ضد العواد بعض أصدقاء الأنصاري من أهل المدينة المنورة، ومنهم "كويتب" في العدد 84 من صحيفة صوت الحجاز الذي حمل على العواد وعلى نقده لقصة "مرهم التناسي"، ويقول له إنه يجب على الناقد أن يشجع ولا يثبّط، ويشيد بالأنصاري وبقصته الأولى "التوأمان" ويقول إنها قصة حجازية. وكذلك عبد الحميد عنبر الذي حمل على نقد العواد الذي لا يتعرض للقصة نفسها، بل يتعرض لشخصية كاتبها. ونرى كذلك محمد الحافظ ينشر مقالة في صوت الحجاز تحمل عنوان "ما هكذا النقد الفني"، وينتقد فيها العواد لتهجمه على الأنصاري. وفي مقالة حمزة أضْلني هجوم كذلك على العواد ونقده وإشادة بالأنصاري. ومن الذين هاجموا العواد كذلك كل من محمد علي مغربي وعبد السلام عمر. فقد نشر المغربي مقالة بعنوان "جواب" (العدد 310 من صحيفة صوت الحجاز، 1357هـ/1938م) ردّ فيها على العواد في نقده لقصة الأنصاري الجديدة "صيدلية الآمال" وكذلك قصة العامودي "رامز" في صحيفة المدينة المنورة. وكان العواد قد غمز المغربي في القصة التي نشرها الأخير في صحيفة صوت الحجاز بعنوان "الحزينة" وذلك في معرض حديث العواد عن رواية محمد نور الجوهري (الانتقام الطبعي)؛ إذ وصفها بأنها مجرد مقالة وليست قصة. كما أنّ العواد يتهم المغربي بالسرقة من كتاب العقاد فصول؛ وذلك في مقالاته التي كان ينشرها بـصوت الحجاز تحت عنوان "أحاديث النفس". أما عبدالسلام عمر في مقالته "فولتير وروايته محمد" (صوت الحجاز، العدد 183) فإنه يردّ على ما جاء في مقدمة العواد لروايته (طريق الخلود) والتي كان قد نشر الجزء الأول منها في عدد سابق، وفيها يمتدح العواد فولتير ويعجب به وبرواية (محمد). وعبدالسلام عمر يردّ هنا على العواد ويفضح رواية فولتير هذه التي هاجم فيها الكاتب الفرنسي نبي الإسلام محمدًا . ولكن محمود عارف يهب أخيرًا لنجدة صديقه وأستاذه محمد حسن عواد فيكتب مقالته "تعقيب على جواب" (العدد 311 من صحيفة صوت الحجاز، 1357هـ/1938م) رادًّا على المغربي، ومشيدًا بأستاذية العواد وعبقريته. ثالثًا: بين حمزة شحاتة وعبدالله عريف: كان عبدالله عريف قد كتب مقالة في صوت الحجاز بعنوان: "ضريبة الإعجاب" (العدد 447، سنة 1359هـ/1940م) يشيد فيها بمحاضرة حمزة شحاتة التي ألقاها في "جمعية الإسعاف الخيري"، ولكنه يعترض على ما قاله شحاتة في محاضرته مِن أنّ الإدمان على نظر الصورة الجميلة يفقدها تدريجيًّا سحرها وتأثيرها على النفس. ويقول العريف إنّ ألوانًا من الجمال تظل ثابتة لا تتغير إن لم يضمحل هي في ذاتها. كما يعترض أيضًا على تعريف شحاتة للرجولة والفضيلة والرذيلة إلخ. وقد ردّ حمزة شحاتة على نقد عريف في ست مقالات بعنوان: "يبن الجمال والنقد"، بدأها بمناقشة عريف عن مسألة الفرد والجماعة وأيهما أكثر إحساسًا وإدراكًا الفرد في الجماعة أم الفرد منفردًا. ثم يتحدث عن نقطة الخلاف بينهما. فهل يملّ الإنسان من تكرار النظرة إلى الجمال كما يقول شحاتة، أم أنه لا يملّ بل يزداد حُبًّا وشوقًا إليه، كما يقول عريف؟‍ وتزداد حدة التوتر بين الكاتبين حين يردّ عريف على شحاتة في مقالته "تكاليف الضريبة" التي يفند فيها ما ذهب إليه شحاتة عن "الصورة الجميلة" كما يردّ على نقده وتهكمه، ويقول إنّ شحاتة يميل إلى التجريد والتعرية. ولكن عريفًا يستخدم أيضًا في رده بعض ما جاء في قصيدة شحاتة "لم أهواك؟"، ويقول إنّ شحاتة رغم ميله إلى التجريد إلاّ أنه لا يزال متشبثًا بنظرته الجمالية. ويستمر حمزة شحاتة في نشر مقالاته "بين الجمال والنقد" ويتحدث في الحلقة الثالثة (العدد 455، سنة 1359هـ/1940م) عن مقال عريف الأخير، ويبدأه بشيء من التهكم، إذ ظن أنّ ما كتبه كان واضحًا لأنه يخاطب أوساط الناس، ولكن أمله قد خاب في فهم العريف وقدرته الاستيعابية. يقول: "كتبت عن الجمال في عددين فائتين من أعداد هذه الجريدة، ما حسبته غاية في الوضاحة، صادرًا فيها عن تجارب نفسي وواقعها وعن خبرتي العميقة بالحياة والنفوس. فإذا هو الدعوى التي لا تنهض بها حجة ولا يستقيم لها قياس عند صديقي الأديب عريف..." ويقول في الحلقة التالية: "ليعلم الأستاذ (عريف) إننا لا نحتال لبلوغ رضا القراء وإن كنا أعرف بسبل هذه الغاية وحبائلها. وإننا لنترفع بأنفسنا عن أن نقف منهم موقف التهريج والاجتذاب والحيلة". وفي الحلقة الخامسة يتابع شحاتة رده على عبد الله عريف، ويشيد هنا بنفسه وبمواهبه الشخصية وقدراته على الجدل والاحتجاج. ويقول بأنه قد ذكر أشياء مهمة في محاضرته لم يذكرها أحد في هذه البلاد، كما يخطئ العريف في همه لقصيدته "لم أهواك"، ويقول إنه لم يقصد فيها إلى تجريد الجمال بل إلى السمو به والإعلاء من شأنه. وفي الحلقة الأخيرة من مقالاته "بين الجمال والنقد" يتابع شحاتة رده على عريف، وينفي هنا أن يكون الجمال ثابتًا في النفس، بل هو متجدد بتجدد النظرة إليه. ويقول في آخرها، وكأنه يعرّض بعريف وأمثاله: "وإذا كان الجمود والاجترار من طبيعة بعض النفوس الموصدة، فالسأم والتنقل من طبيعة النفوس المشبوبة. ولعل أقدر النفوس على استصفاء معاني الجمال هي أحسها بفتنته وأوفاها له وأقدرها على تنويع معانيه واستنطاقها". وفي مقالة عبدالله عريف: "بيني وبين الأستاذ حمزة شحاتة" المنشورة في صوت الحجاز (العدد 459، سنة 1359هـ/1940م) ردٌّ على حمزة شحاتة وعلى بعض الأسئلة التي كان قد وجهها إليه. ويميّز عريف هنا بين الشعور والإدراك من جهة وبين الشعور الفردي والشعور الجماعي من جهة أخرى. ويقول في نهاية المقال: "أحسب أنّ ما قلته الآن كاف جدًّا للإجابة على السؤال الأول في أنّ حماس الجماعة في ندوة الإسعاف إنما هو شعور نفسي بسيط انبعاثي بأديب تسبقه الطبول. وهذا لا يعني أنّ المحاضرة لم تكن جديرة بذلك الحماس، إنما يعني التسجيل العلمي فقط للشعور الفردي والجماعي إجابة لسؤال الأستاذ...". وقد تدخّل بعض أدباء تلك الفترة في النقاش الدائر بين شحاتة وعريف، ومنهم أحمد عطار في مقالتيه "نقاش" (العدد 461 و 462، 1359هـ/1940م)؛ إذ انتصر لشحاتة في مسألة النظر إلى الصورة الجميلة، مستخدمًا بعض حجج شحاتة نفسه في طبيعة الحياة وتطورها وطبيعة الزمن المتغير المتحول. ويحمل عطار على عريف ويشبه موقفه بموقف البخيل الذي يحتفظ بالريال ويعاود النظر إليه. ويردّ عطار كذلك على محمد عمر توفيق الذي يقول بأنّ نظرة العريف هي نظرة الشاعر، وأنّ نظرة شحاتة هي نظرة الفيلسوف. ويفنّد عطار هذا القول لأنّ عريفًا لم يعرف قط أنه شاعر، أما الشاعر الحق فهو حمزة شحاتة، ولا فرق بين الشاعر والفيلسوف، لأنّ كليهما يبحثان عن المعرفة بوسائلهما الخاصة. وعطار إنما يردّ في الحقيقة على مقالة محمد عمر توفيق "التجريد وما وراءه" التي نشرت في حلقتين في صحيفة صوت الحجاز (العدد 451 و452)، وكان يحاول فيها التوفيق بين نظرة شحاتة ونظرة عريف إلى الجمال. ويقول محمد عمر توفيق إنّ نظرة الأول هي نظرة الفيلسوف الذي يميل إلى التجريد، بينما نجد أنّ نظرة الثاني هي نظرة الشاعر الذي يكره التغلغل في ماهية الجمال أو تفتيته. ويقول إنه لا خلاف بين النظرتين، وإنّ الفيلسوف قد يكون شاعرًا في بعض الأحيان، وكذلك الشاعر الذي قد يستهويه التحليل ولكنه لا يميل غالبًا إلى التجريد الفلسفي، لأنّ هذا التجريد من شأنه أن يحيل الحياة إلى ركام. ويقول: "والتجريد إذا مذهب يصير بمن يعتنقه إلى التشاؤم والاندحار، وذلك ما لست أحسب الأستاذ حمزة شحاتة يرضاه لنفسه أو لغيره...". ويشير إلى قصيدة حمزة شحاتة "لم أهواك؟" ويقول إنّ الشاعر قد "عبث فيها بمن يهواه وافترضه ذا شأن ضئيل من الذكاء والحسن وما إلى ذلك مما أملاه عليه منطق التجريد...". ولكن محمد عمر توفيق يؤكد في النهاية أنّ حمزة شحاتة لا يعمد في الحقيقة إلى التجريد إلاّ كمنطلق قد يهجره ويهرب منه. أما محمد علي مغربي فكان قد نشر مقالة عن قصيدة حمزة شحاتة "لم أهواك؟"، وقبل النقاش الذي احتدم بين شحاتة وعريف بزمن طويل (العددان 370 و371 من صحيفة صوت الحجاز، 1358هـ/1939م)، وقد أطرى تلك القصيدة وأعجب بها إعجابًا شديدًا، ويقول إنّ حب شحاتة في هذه القصيدة هو حب الأديب الفيلسوف الذي يحاول أن يكتنه طبيعة حبه لمحبوبته، وأن يمتزج فيها بالكون والطبيعة. ويحلل المغربي نزعة الشاعر الصوفية الفلسفية في الحب مستشهدًا بالعقاد وبالشعر القديم. رابعًا: بين عبدالكريم بن جهيمان وحسين سرحان: انتقد عبدالكريم بن جهيمان بعض ما جاء في مقالات حسين سرحان التي كان قد نشرها في صحيفة صوت الحجاز بعنوان "مشاهدات في المدينة" وتحدّث ابن جهيمان في مقالته "مناقشة لصاحب مشاهدات في المدينة" والتي نشرها في العددين 235 و236 من الصحيفة عن ضيق السرحان في رحلته تلك إلى المدينة المنورة بالمطوّع الذي كان معهم. ويقول الجهيمان إنّ ذلك "المطوّع" لم يفعل سوى ما أملاه عليه واجبه الديني، إذ رأى بعض الشباب من المسافرين يقومون ببعض ألعاب الطرب والغناء فنهاهم عنها. وفي مقالته "ردّ واستدراك" يردّ الجهيمان على مقال السرحان الذي سماه "حاطب ليل" متهكمًا فيه بالجهيمان وساخرًا منه. ويعود الجهيمان هنا إلى نقد ما جاء في مقال السرحان السابق: "مشاهدات في المدينة المنورة"، واصفًا السرحان بالتسرع والنـزق، ومبيّنًا خطأه في بعض النواحي الدينية. أما السرحان فقد ردّ على الجهيمان في ثلاث مقالات بعنوان "مناوشات ومناقشات"، الأعداد 237، 238، 239، وقد سماه "حاطب ليل". وهو رميه بالتعصب والتقوّل على الناس باسم الدين، ويظن فيهم الظنون. ويقول إنّ ابن جهيمان يصلح أن يكون عضوًا في محكمة التفتيش، وإنّ كل ما قاله عنه غير صحيح. والحقيقة أنّ الجهيمان لم يكن هو الوحيد الذي انتقد مقالات السرحان "مشاهدات في المدينة المنورة"، بل انتقده كذلك عبدالقدوس الأنصاري، وإن كان نقده لأسباب أخرى غير تلك التي جاءت في مقالات الجهيمان. فالأنصاري يقوم فقط بتصحيح بعض الأخطاء التي يرى أنّ السرحان قد نسبها إليه، وقد أحصاها في مقالته التي سماها "حول مشاهدات في المدينة – الملاحظات الثلاث" العدد 236، سنة 1355هـ/1936م. فالملاحظة الأولى أنّ الأنصاري لم يقل إنه يريد في دراسته لأعلام الشعر في الأدب العربي أن يختطّ له أسلوبًا حجازيًّا يرجع فيه إلى أدب الحجاز أيام ازدهاره في صدر الإسلام. والملاحظة الثانية أنه يعترف بتأثره بالأدب المصري، ولكنه لا يلتزم السجع كما يزعم السرحان. أما الملاحظة الثالثة فهي أنّ اهتمامه بفخامة العبارة لا يعني إهماله لجانب الفكرة، خلافًا لما يقوله السرحان. ونحن نرى السرحان في مقالته: "مناوشات ومناقشات، يعترف بصواب ما جاء في ملاحظات عبدالقدوس الأنصاري، ويقول إنه لا يريد الدخول معه في عراك، بل إنه يمدح الأنصاري ويصفه بهدوء النفس وسلامة الذوق. خامسا: بين أحمد عطار وعباس زواوي: كتب أحمد عطار مقالاً في صوت الحجاز بعنوان "للحقيقة والتاريخ" العدد 209، 1355هـ/1936م، يبيّن فيه أنّ المقال الذي نشره عباس زواوي في صوت الحجاز، العدد 208، بعنوان "عصور الألم" إنما هو منتحل جميعه من كتابي الفصول للعقاد وحصاد الهشيم للمازني. وقد أتى العطار بفقرات من مقال الزواوي وما يقابلها من كتاب المازني ليثبت سرقة الكاتب المذكور. وقد علّق محرر الجريدة على مقال العطار بقوله إنّ "فكرة المقال من أساسها للأديب الصهيوني الفرنسي الشهير ماكس نوردوا، وقد محّصها الكاتبان القديران العقاد والمازني". ويقول المحرر: "والذي حبّب إلينا نشر مقال الأديب الرغبة في تشجيع الاتجاه الفكري لدى الناشئة إلى هذه النواحي القوية، ومناصرة البحث الجدي. على أننا لا ننكر ما لأديبنا الناشئ من ابتكار جزئي يغبط عليه، ولكننا نحب الآن أن نسمع دفاعه عن نفسه". ويردّ الزواوي في "كلمة عجلى" العدد 210 على اتهامات العطارش، ويردد ما قاله محرر الجريدة من أنّ الفكرة هي لماكس نوردوا وليست للعقاد ولا للمازني. وهو يعترف بأنه قد أخذ هذه الفكرة وطبقها على الأدب العربي. أما سبك الجمل واقترابها من أسلوب المازني، فذلك من تأثير المطالعة الطويلة، والاندماج بروح المازني. وهذا شيء جرت عليه العادة، وهو تأثر وليس سرقة. ويردّ العطار في مقالته "ردّ على ردّ" العدد 213 على الزواوي مؤكدًا انتحاله للمقال، ومفنّدًا -كما يقول- مزاعمه ومغالطاته. ولقد كشف العطار أيضًا في مقالته "حول مقال عبدالمجيد شبكشي" لصوص الأدب أو مجانين الشهرة، العدد 221، سرقات أخرى هي هذه المرة للشبكشي في مقالته المنشورة في صحيفة صوت الحجاز بعنوان "فقدان النقد النـزيه من أدبنا المزدهر"؛ إذ هي مأخوذة من مقال مصطفى القشاش، محرر مجلة الصباح المصرية. وقد أتى العطار بفقرات من المقالين لإثبات هذه السرقة، بل إنه يؤكد أنّ شبكشي لم يكتف بالسطو على المقالات ونشرها في "صحفنا المحلية" بل إنه قام بنشر مقالات مسروقة في صحف مصرية. فقد انتحل مقال "موسوليني" ونشره بعنوان "يا بلادي" في مجلة الرابطة العربية بمصر، كما نشر مقالاً آخر بعنوان "الفروق الطبيعية بين المرأة والرجل" في الأهرام ثم في مجلة الشباب، وهو مسروق مقال لأحمد أمين في مجلة المنهل. ولكن العطار على الرغم من كثرة صولاته وجولاته فإنه لم يسلم هو نفسه من انتقاد الآخرين، ولا سيما ما يقولون عنه تمسّحه بأدباء مصر المشهورين. وهاهو أحدهم، وقد سمى نفسه "معبد" يكتب مقالة ساخرة بعنوان "أين كنت قبل اليوم؟" يهجو فيها العطار هجاءً مُرًّا، مركّزًا على ما يردّده دومًا من ادّعاءات حول صداقته أو صلاته الحميمة بعباس محمود العقاد. ويقول "معبد" إنه هو نفسه يحتفظ بصداقات كثيرة مع زكي مبارك والمازني والرافعي وغيرهم، ولكنه يستدرك قائلاً: "وقد تسألني أيها القارئ عن نوع هذه الصداقة وحقيقتها التي تربطني بهذه الزمرة من الأدباء والكتّاب. وهل هي من نوع الصداقات المعترف بها من الطرفين، أو أنها صداقة معترف بها من طرف واحد؟ وكان بودّي أن أجيبك لولا الحياء، ولكني أحيلك على صديقنا أيضًا الأستاذ العطار، لأنه كان معنا في مصر، ثم هو -كما تعرف- خبير بفنّ الصداقات...". سادسًا: يبن الفلالي وحوحو وعاشور: أشاد أحمد رضا حوحو في زاويته "بين وبين الناس"، العدد 515، بأسلوب إبراهيم فلالي وطريقته في استخدام التكنيك القصصي، ويبسط حوحو رأيه في فن القصة لإرشاد الناشئة -كما يقول- لاتباع الأسلوب الصحيح في الكتابة القصصية، مثل استنطاق الشخصيات والبعد عنها والاهتمام بإدارة الحوار حسب المستوى الاجتماعي والثقافي للشخصية إلخ. ولكن حوحو في العددين 516 و525 يبدي رأيه في قصة الفلالي "من بين الأكواخ" التي سبق أن نشرها في مجلة المنهل؛ فيقول إنّ استنطاق الشخصيات أمر في غاية الصعوبة، ويقتضي التقمص ومراعاة المواقف والظروف المختلفة التي تمرّ بها الشخصية. وكان الفلالي قد رد على ملاحظات حوحو في مقالة له بعنوان "نردّ مبتسمين"، العدد 521، دافع فيها عن قصته، ومؤكدًا أنها من صميم الواقع، وأنه ينحو فيها نحو الرافعي من حيث المنهج أو الطريقة. أما سيف الدين عاشور فقد انتقد الفلالي -في مقالته "أحاديث قصيرة، العدد 319- في محتوى العمود الذي كان يكتبه بجريدة صوت الحجاز تحت مسمى "كلام الناس"، ويقول إنّ ما يكتبه الفلالي لا يتعدى في الحقيقة الكلام العادي، ويقترح عليه أن يستبدله بكلام المتميزين من الأحياء الذين يتجهون إلى الحياة بشعور حي وقلب نابض. ويقول عاشور إنّ أسلوب الفلالي كذلك لا ميزة فيه، وهو يرجوه أن يتجه إلى الحياة والقوة "ويعفينا من هذا الكلام الذي لا تتجه إليه النفس ولا يخفق له الشعور". والحقيقة أنّ مقالة عاشور هذه طويلة جدًّا، فهو يتحدث أولاً عن "الذوق الأدبي"، ثم يتحدث عن "النقد"، ثم يتحدث بعد ذلك عن عمود الفلالي "كلام الناس". وعاشور يحمل في مقالته هذه على أدعياء النقد الذين يعتمدون على "الذوق" فقط، كما يحمل على أولئك الذين هم ضعاف في حصيلتهم اللغوية، وكذلك الذين يشوهون النص بحذف بعض فقراته ليستقيم لهم الرأي. سابعًا: بين محمد عمر توفيق ومحمد علي مغربي: كتب محمد عمر توفيق مقالة بعنوان "مقالات"، العدد 383، 1358هـ/1939م، ينتقد فيها مقالة لمحمد علي مغربي نشرها في جريدة صوت الحجاز عن مدينة الطائف، وكان قد نشر قبلها مقالة عن مدينة جدة. ويقول توفيق إنّ مقالة مغربي عن الطائف تبدأ بأوصاف شاعرية مبتذلة يعرفها العوام، ثم تنتهي بمناشدة الحكومة والشعب المبادرة إلى إصلاح هذه المدينة، وإصلاح الطرق التي تؤدي إليها. كل ذلك في أسلوب صحفي عادي، مما أدى إلى مزج فكرتين متناقضتين في مقالة واحدة. ويقول محللاً هذه الحالة إنّ المغربي قد توزعته حالتان "إحداهما هامدة في نفسه، والأخرى جائشة تبعث على الهتاف. ويشاء هو -تعمية على قارئه أو على غيره، أو إلفاتًا إلى هذه الشاعرية النشيطة فيه إلفاتًا غير محمود- أن يزجّ بشاعريته زجًّا فيما لا يعنيها ولا يعني القارئين، أن يكون لها فيه صوت مسموع فتخبطت، وكانت مزيجًا من العامية والتقليد، وكانت كإعلانات الحوانيت...". ويردّ المغربي على توفيق، في مقالته "تعريف"، العدد 384، حيث يكشف أولاً عن رمز توفيق الأدبي أو اسمه المستعار "راصد"، ثم لا يلبث أن يتهكم به تهكمًا مرًّا ويقول إنه بعد أن نشر مقالاته عن العقاد والرافعي ظن أنه قد غدا ناقدًا خطيرًا يحق له توجيه الأدب في الحجاز كما يشاء، كما غدا أسلوبه يشبه الأسلوب "الرسمي" الذي يعتمد على التقريع والعنف. ويقوم المغربي بنقد إحدى قصائد توفيق التي سبق أن نشرها في صحيفة المدينة المنورة، وهو نقد فيه الكثير من التمحّل والقسوة. وقد ختمت إدارة تحرير "صوت الحجاز" مقالة المغربي بالأسطر التالية: "إنّ صوت الحجاز تقفل باب هذه المناقشة بهذا الرد المنشور، معتذرين لحضرات الأدباء الكرام بعدم اتساع نطاق الصحيفة وضيق ظروفها لذلك". ثامنًا: بين محمد عمر توفيق وأحمد عطار: كتب محمد عمر توفيق سبع مقالات بعنوان "موازين النقد"، الأعداد 478، 482، 484، 485، 1359هـ/1940م، يردّ فيها على العطار الذي كان قد انتقد محاضرته عن الأدب في الحجاز والتي سبق أن ألقاها في جمعية الإسعاف الخيري. ويبدأ توفيق بمقدمة طويلة يكشف فيها شيئًا عن مزاجه الشخصي وطبيعته. فهو -كما يقول- لا يهتم بما يقوله النقاد عنه، كما أنه يشكو من سلبية القراء وصعوبة الكتابة في وسط هامد، ويقول إنّ المحاضرة التي ألقاها في جمعية الإسعاف إنما هي محاضرة تصويرية عن الأدب وقصته في الحجاز بشكل عام، ولم تتعرض المحاضرة لقضايا النقد أو التحليل والبحث وضرب الأمثلة. كما يردّ هنا على اتهام العطار له بتغليب الأسلوب على الفكرة. ونحن نجد أنّ محمد عمر توفيق كثيرًا ما يحاور ويداور ويطنب ويوجه النصائح إلى العطار ويتهكم به. ويبدو أنه يتشبه في أسلوبه المعقد بحمزة شحاتة، بحثًا عن العمق. وهاهو يدافع عن تعريفه للأدب بأنه غمزة من غمزات الأحلام، ويهاجم تعريف العطار بأنّ الأدب لا يعدو أن يكون القول الجميل فحسب، كما يردّ على العطار أيضًا فيما يتعلق بفوضى الثقافة وأثراه السيئ على ناشئة الأدب. ومحمد عمر توفيق غير راضٍ إجمالاً عن واقع الأدب في الحجاز خلال تلك الحقبة؛ إذ يقول عنه إنه "إنتاج صحفي لا يطول به الزمن حتى يفقد قيمته ومعناه، وحيث تنعدم فيه خلاصات الدرس المستقل... ومن هنا شاع التقليد، وانبثّت السرقات، وكان عمر الشاعر أو الكاتب لا يعدو الفورة الأولى أو الوثبة الجامحة بادئ العمر. ومن هنا تلاشى الكفاح الأدبي... ومن هنا كانت الحياة الأدبية لا تحمل طابع الجد والفائدة والذخيرة، وإنما تحمل المادة الصحفية والفكرة العابرة...". تاسعًا: تعليقات عزيز ضياء على بعض كتابات السباعي والصبّان: تناول عزيز ضياء بعض مذكرات أحمد السباعي التي كان ينشرها في صوت الحجاز بعنوان "أوراق العيد" تناولاً فكاهيًّا خفيفًا في مقالتين تحملان مسمى "على هامش أوراق العيد-مزاح"، العددان 189، 190، 1354هـ/1936م. وضياء ينتقد السباعي في شخصيته وفي أسلوبه وفلسفته، ويشبعه تنكيتًا وسخرية، كما يكشف ما يحسبه مغالطات في كتاباته عن العيد بمصر. أما مقالة عزيز ضياء "الأستاذ أبو فراس"، العدد 237، 1355هـ/1936م، فهو يتوجه فيها إلى صاحب هذا اللقب المستعار، محمد سرور الصبّان، وبعد أن يكيل له الإطراء والمديح يتساءل عن الهدف من نشر هذه "الأسبوعيات" في الجريدة، وهي لا تعدو في الحقيقة عن نُبَذٍ ومختارات من الصحف والكتب، وليس للصبّان فيها أي جهد يذكر، لا بالتعليق ولا بالدراسة. وضياء يريد من "أبي فراس" الصبّان أن يوضح له وللقراء الهدف من نشر مثل هذه الأسبوعيات. نرى في استطرادات عزيز ضياء وتكراره لبعض الجمل والعبارات تأثرًا واضحًا بالأستاذ الكبير طه حسين. ومن المعلقين على "أسبوعيات" الصبّان أيضًا محمد سعيد العامودي (م.س.ع) في مقالته "هي فوضى أدبية حقًّا‍"، العدد 220، إذ أشار فيها إلى ما قاله الصبّان في لومه الكتبي على اتهام الأدب الحجازي بالفوضى، وقراره الامتناع عن نشر دراساته الأدبية في الصحف المحلية. ومن المعلقين على "الأسبوعيات" من سمى نفسه "إياه" في مقالته "تعليقات"، العدد 232، إذ أشار فيها إلى ما كتبه الصبّان عن الغباوة والذكاء نقلاً عن حسين شفيق المصري. وقد أشار أيضًا "إياه" في "تعليقات" أخرى، العدد 234، إلى ما كتبه عزيز ضياء في "أحاجٍ ورموز" عن بعض أدباء الحجاز وامتداحه لهم ومحاولته التعرف على شخصياتهم. كما أشاد مَن سمى نفسه "عين" في مقالته "أدباؤنا والنقد"، العدد 271، بعزيز ضياء في مقالته "قدرة الإرضاء" التي نشرها بجريدة المدينة المنورة، ونقد فيها مقالات محمد سعيد العامودي. ويقول "عين": و"أشهد مخلصًا أنه (ضياء) وفق في كتابة نقده إلى حد كبير، وأنه كان مهاجمًا لبقًا، وأحسب أنّ الأستاذ العامودي سيرضى أشد الرضى عن هذا الفعل". عاشرًا: قصائد وآراء: لعل من أول الآراء التي نُشرت في صحيفة صوت الحجاز حول بعض القصائد السعودية ما كتبه عبد اللطيف أبو السمح (خريج المعهد) في السنة الثانية من الجريدة، عدد 58، 1352هـ/1933م، منتقدًا فيه قصيدة حسين سرحان التي نظمها بمناسبة العام الهجري الجديد، فقد بيّن مساوءها من الناحيتين المعنوية واللغوية. وينتقد "قارئ" في العدد التالي من الجريدة قصيدة عبداللطيف أبي السمح "موقف وداع" ويبيّن مساوءها وهي كثيرة، ويسخر منها مرّ السخرية. أما "هول الليل" -حمزة شحاتة- فإنه يتولى نقد قصيدة عباس حلواني المسماة "وبدا البدر فالتقى بالنظير"، المنشورة في العدد 230 من الصحيفة. وقد سخر شحاتة من القصيدة وشاعرية قائلها، وهو يأتي بأمثلة من القصيدة ويأخذ في تحليلها وبيان ضعفها من ناحية اللفظ والمعنى وناحية اللغة. وفي مقالتين تاليتين لـ"هول الليل" بعنوان "عزاء"، العددان 233 و234، يتصدى لمن سمى نفسه "سهران" الذي كان قد هبّ لنجدة صديقه الحلواني، فيبيّن شحاتة أخطاء هذا الكاتب وبعده عن الحقيقة في محاولته تبرير الأخطاء التي تورط فيها الشاعر الحلواني. ولكن "سهران" يكتب مرة أخرى، بعد حوالي عام من دفاعه عن الحلواني ولومه لناقده حمزة شحاتة، غير أنه هذه المرة يكتب ليطري قصيدة شحاتة "سطوة الحسن" التي نشرتها جريدة صوت الحجاز، ويبدي إعجابه الشديد بها (انظر مقالته "القديم والجديد أيضًا"، العدد، 252، 1356هـ/1937م). ويقول "سهران" إنّ هذه القصيدة صادقة وواقعية وليس فيها صنعة أو تكلّف. ويقول في الإشادة بروعة القصيدة وعبقرية صاحبها: "هذه كلمة عجلى عن قصيدة "سطوة الحسن"، وهي فصيحة الدلالة على ما لصاحبها من سلامة الطبع وقوة الإحساس ودقة التصوير. وبودّنا لو نسمع لهذا الشاعر المجيد في كل فنون القول، فلعله مجيد فيها جميعًا. فنظفر أخيرًا من هذا البلد الكريم بشاعر مطبوع نفاخر به شعراء مصر والشام والعراق، ونرفع بآثاره ذِكر هذا البلد، وندفع عنه تهمة التخلّف والعقم...". وقصيدة "سطوة الحسن" هي المثبتة في أول صفحة من صفحات ديوان حمزة شحاتة الحالي (دار الأصفهاني، ط1، 1408هـ/1988م) والتي يقول في مطلعها: بعد صفو الهوى وطيب الوفاق يا معافًى من داء قلبي وحُزني هل تمثّلتَ ثورة اليأس في وجهي عزّ حتى السلام عند التلاقي وسليمًا من حُرقتي واشتياقي وهول الشقـاء في إطراقي؟ كما قرّظ النقاد شاعرًا آخر عُرف بصداقته لحمزة شحاتة، كما عُرف بلونه الشعبي الساخر وهو أحمد قنديل. ولقد أثار نشيده "العَلَم" خلافًا بين الأدباء وانقسموا حوله بين مؤيّد ومعارض. وهاهو عبد السلام الساسي يكتب مقالة بعنوان "حول نشيد العلم أيضًا"، العدد 311، 1357هـ/1938م، يشيد فيها بهذا النشيد الذي نظمه أحمد قنديل، وأنشده طلبة الكشافة. ويقول إنه ينبغي على مديرية المعارف أن تعمم الأناشيد في المدارس لتنمية الروح الوطنية. كما يهيب بالشعراء أن يلجوا هذا الباب الذي مِن شأنه إيقاظ الأمّة وتحميسها إلى النهوض. وكان قنديل نفسه قد كتب مقالتين "حول نشيد العلم"، العددان 307، 308، يردّ في الأولى على منتقديه، ويقول إنّ النشيد كان قد وضعه أصلاً لطلاب مدرسة تحضير البعثات، ويتهكم في الثانية على أحد منتقديه الذي لم يذكر اسمه، ولكنه يصفه بأنه رجل هرم، كثير الشكوى، لا يعجبه شيء ولكنه يتخفّى دومًا ولا ينشر ما يلفظ به على الملأ. ولقد قام من سمّى نفسه "سندباد" (حمزة شحاتة؟) بكتابة مقال رصين رائع ساخر بعنوان "دون كيشوت"، العدد 308، يدافع فيه عن القنديل الذي وردت في مقالة له عن نشيد العلم عبارة "الدون كيشوتية". ويقول محرر الجريدة إنّ كثيرًا من الأدباء قد استفسروا عن معنى هذه العبارة، وقام "سندباد" بهذا التوضيح. ومن ناحية أخرى، فلقد قام محمد علي مغربي، في زاويته "من أحاديث النفس"، العدد 312، بتقريظ القنديل في قصيدته "جدة" والكشف عن شاعريته ومقدرته على تمثّل هذه المدينة الجميلة في بحرها وسهولها وجبالها وكل ملامحها وسماتها الخاصة المتميزة. ويقول إنّ من واجب الشعراء في بلادنا أن يتغنَّوا بمدنهم، وأن يكشفوا عن مشاعرهم تجاهها. فأدب المدن قد أصبح معروفًا ومقدّرًا في جميع أنحاء العالم. ولمن سمى نفسه "معبد" مقالة فكاهية طريفة بعنوان "أين كنت قبل اليوم؟" العدد 529، 1359هـ/1940م، يسخر فيها بشاعرية صديقه حسين عرب: "بيني وبين زميلي الشاعر حسين عرب اتفاق مزمن موقّع عليه من الطرفين. وأهم مواد هذا الاتفاق ألاّ يقرأ عليّ شيئًا من شعره حتى ولو كان نشيد العسكرية أو الجندية، لا أدري فقد نسيت اسمه. ولكنه بدأ -أعني الزميل لا النشيد_ يُصاب بالإسهال الشعري. فهو في كل يوم يرميني بقصيدة من البحر المالح. وفي هذا، كما ترى، مخالفة صريحة لأهم مواد الاتفاقية يُعاقب عليها قانون الشعراء بغرامات أدبية لعل أقلها منعه من نظم الشعر بتاتًا. فهل للشعراء عميد كعميد الصحافة مثلاً أرفع إليه شكواي؟". وفي مقالة هاشم يوسف الزواوي: "من الأعماق -درس وتحليل"- العدد 473، إطراء لقصيدة حسين عرب المسماة "من الأعماق"، وهو يورد بعض أبياتها ويشرح معانيها، ويقف عندها متأملاً معجبًا. أما مقالات "س. م. ن" التي نشرها في "صوت الحجاز" بعنوان "كلمة بعد كلمة: الشاعر الكبير أحمد إبراهيم الغزاوي"، الأعداد 97، 98، 99، 1352هـ/1934م، فهي تردّ على الناقد الذي سبق أن كتب عن شِعر الغزاوي وقلل مِن قيمته الإبداعية. والكاتب هنا يحاول تفنيد تلك المزاعم مؤكدًا أنّ الغزاوي هو مِن شعراء الطبقة الأولى. ولكن مقالات "س. م. ن" تتسم بالسطحية والضعف. وللغزاوي نفسه مقالة بعنوان "عتاب واستدراك"، العدد 194، 1354هـ/1936م، يردّ فيها على ما نشره محرر مجلة الاثنين المصرية الذي انتقد قصيدة الغزاوي في تأبين الأستاذ التفتازاني، وقد نشرت في صوت الحجاز والأهرام والمقطم. ومحرر الاثنين ينتقد القصيدة من الناحية اللغوية، ويردّ الغزاوي في مقالته على هذا النقد. أحد عشر: مع الأدباء العرب: تأثر الرعيل الأول من أدبائنا ببعض الأدباء العرب المشهورين في مصر والشام والمهجر الأمريكي. ونجد في صحيفة صوت الحجاز بعض المقالات التي تشير إلى هذا التأثر بشكل أو بآخر. ومن هذه المقالات ما كتبه جرير (سيف الدين عاشور) بعنوان "عقّاديون ورافعيّون أيضًا"، العدد 378، 1358هـ/1939م، إذ يعلّق فيه على ما كتبه "راصد" (محمد عمر توفيق) بجريدة المدينة المنورة حول العقاد والرافعي ومدرستيهما. وسيف الدين عاشور يؤيد الرافعي ويمتدح محمد عمر توفيق لتنبهه لعبقرية الرافعي، ويقول إنه كان من أنصار العقاد إلى أن كتب سيد قطب مقالاته عن العقاد والرافعي، متعصبًا للثاني؛ مما لفت نظر سيف الدين عاشور إلى الرافعي فمضى يلتهم أدبه ويكتشف سر عبقريته. ونجد من سمّى نفسه "يقظ" يدافع عن المازني في مقالته "المازني في ميزان المنهل"، العدد 308، 1357هـ/1938م، ويردّ على "باحث" في مجلة المنهل الذي انتقد المازني وقال عنه إنه مخفق في كتابة البحوث الجادة، وهذا سر انصرافه إلى الفكاهة. ويفند "يقظ" هذا الرأي، كما أنه يكتب مقالاً آخر في صحيفة صوت الحجاز، العدد 313، يدافع فيه عن زكي مبارك. ومن أدبائنا مَن تصدّى لبعض الكتابات العربية التي تناولت الأدب في منطقة الحجاز قديمًا وحديثًا. وهاهو محمد حسن كتبي، في مقالته "رجع صدى"، العدد 206، 1355هـ/1936م، يؤيد ما قاله الدكتور محمد حسين هيكل عن النفسية الحجازية، وأنّ تعلّقها بالماضي قد ألهاها عن الحاضر وعن التعرف على الحضارة العصرية. ويردّ "ر. س" في مقالته "الحقيقة بنت البحث"، العدد 393، على ما نشره محمد كرد علي في مجلة الهلال، عدد يوليه 1939م، بعنوان "كُتُبنا وتآليفنا" إذ يتهم الحجاز بالفقر العلمي والجهل، ويقول: "يكاد يكون البلد الذي ظهر فيه الخير للأمّة العربية، ونعني به الحجاز، مقفرًا مِن كل شيء اسمه تأليف بالعربية، ولم نر لبنيه إلى الآن شيئًا يُذكر في باب التأليف. والشعر منحطّ والنثر منحطّ، ولا صحف مهمة ولا مدارس عالية..." ويردّ عليه كاتب المقال بأنّ هذا الادعاء غير صحيح، ويستشهد بالمدارس الكثيرة التي فتحت في عهد الملك عبدالعزيز، وبالمؤلفات التي ظهرت، وبالصحف وما ينشر فيها مِن شعر ونثر. ومِن المؤلفات التي يذكرها الكاتب "ر. س" حياة سيد العرب، وتاريخ عمارة المسجد الحرام، وتاريخ الكعبة المعظمة لعبد الله باسلامة، وكتاب أدب الحجاز، وكتاب المعرض مِن وضع محمد سرور الصبّان، وكتاب خواطر مصرّحة، وكتاب الإكليل الذهبي لمحمد حسن عواد، وكتاب وحي الصحراء جمع محمد سعيد عبدالمقصود خوجة وعبدالله بلخير. أما الصحف والمجلات فيذكر منها: أم القرى، وصوت الحجاز، والمدينة المنورة، ومجلة المنهل، ومجلة النداء الإسلامي. ويقول الكاتب: لو أنّ محمد كرد علي اطلع على هذه الصحف والمجلات وما يُنشر فيها لرأى "بدائع النثر وروائع الشعر ورقة الأساليب وقوة المنطق وسحر الخيال وغزارة المادة...". ويردّ "قارئ" (يوسف ياسين؟) في مقالة له بعنوان "الشعر في العصر الجاهلي وصلته بحياة العرب الاجتماعية-تعليق وتحقيق- العدد 328، على مقالة محمود مختار عكاشة التي نُشرت في إحدى الصحف المصرية والتي يعتمد فيها الكاتب على الشعر الجاهلي فقط في مسألة انتساب العربي إلى أمّه، وما كانت تفعله النساء حين لا يتقدم أحد لخطبتهن. ويقول له "قارئ" لا يجوز الاعتماد فقط على الشعر ما لم تؤيده قرائن تاريخية وعلمية صحيحة. أما محمد سرور الصبّان فيردّ في مقالته "إيضاح حول كلمة في كتاب نفثات من أقلام الشباب الحجازي"، العدد 254، على كلمة محيي الدين رضا التي نُشرت بجريدة المقطَم المصرية، تعليقًا على ما جاء في كلمة الصبّان في كتاب نفثات حول ضرورة الحد من التعليم في الحجاز بما يلائم حاجة الحجازيين. ويقول الصبّان في رده هنا إنه لا يعني إلا توجيه التعليم الوجهة العلمية، لأن معظم الشباب المتعلم ينخرط في الوظائف الحكومية، وهي وظائف محدودة، وضيق الموارد الاقتصادية في الحجاز يثبت ذلك. وبعد، فتلك المعارك الأدبية أو الخصومات النقدية، إنما تمثل البدايات الأولى لروادنا الأدباء، الذين كانوا شبّانًا في تلك الحقبة، أي بين الحربين العالميتين. لم يظهروا في صحيفة القِبْلة حيث كانوا غلمانًا صغارًا، ولم يُعرف معظمهم في صحيفة أم القرى؛ لأنهم كانوا في أولى خطواتهم، وكانت الصحيفة يغلب عليها الطابع الرسمي وأدب الإصلاح والمناسبات. أما صوت الحجاز فقد كانت صحيفة الشباب، ولكنها لم تعمّر طويلاً. وقد تألّق فيها أستاذنا حمد الجاسر، رحمه الله، وأحصيت له تسع قصائد بتوقيعه الصريح أو المستعار "بدوي نجد" و"الشاعر الهزلي"، وله أيضًا الكثير من المقالات الأدبية. أما في صحيفة أم القرى فلم أسجل له في تلك الفترة سوى ثلاث قصائد وسبع مقالات فقط، ولم يكن من المشاغبين بين الحربين، بل أجّل الغضب والصدام -فيما يبدو- إلى فترات لاحقة. ومعارك الجاسر -وهي كثيرة- تحتاج إلى بحث مستقلّ. الهوامش: * عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية. (1) محمد الشامخ: نشأة الصحافة في المملكة العربية السعودية، دار العلوم للطباعة والنشر، ط1، الرياض، 1402هـ/1982م، ص154.

المعارك الأدبية في صحيفة "صوت الحجاز" 1350-1360هـ/1932-1941م

تعتبر صحيفة صوت الحجاز، رغم عمرها القصير الذي لم يستمر سوى عشر سنوات، ورغم ظروفها الصعبة، الرحم الحقيقي الذي تفتّح ونشأ فيه أدبنا المحلي الحديث. فقد ظهرت في مكة المكرمة بعد حوالي سبع سنوات من ظهور صحيفة أم القرى، وظلت الصحيفة السعودية الوحيدة التي تُعنى عناية فائقة بالأدب والأدباء قبل ظهور صحيفة المدينة المنورة ومجلة المنهل سنة 1355هـ/1937م، أي بحوالي خمس سنوات. ونحن نجد أنّ كثيرًا من روادنا الشباب لم يُعرفوا في صحيفة أم القرى بل عرفوا في صحيفة صوت الحجاز، وذلك من أمثال أحمد السباعي وحمزة شحاته ومحمد حسن فقي وعزيز ضياء ومحمد سعيد العامودي ومحمد علي مغربي وأحمد قنديل إلخ. ويقول محمد الشامخ عن أهمية صوت الحجاز في تلك الحقبة: "وفي الحقيقة إنّ ظهور صوت الحجاز يعتبر من أبرز المعالم في تاريخ الأدب الحديث في هذه البلاد، ذلك لأنها قد أصبحت لسانًا لحال كثير من الكتّاب في العقد الرابع وأوائل العقد الخامس من هذا القرن [العشرين]، وميدانًا لعدد من المعارك الأدبية التي شهدها هذا الأدب في تلك الفترة…"(1). لقد كثرت المقالات النقدية في صحيفة صوت الحجاز والتي تتناول بعض القصائد والمقالات المنشورة غالبًا في الصحيفة نفسها، أو في صحيفة المدينة المنورة ومجلة المنهل. وقد اتخذ ذلك النقد طابع الحدة والعنف، لأنّ معظم من يكتبونه كانوا من الشبان الذين يغلب عليهم طابع الغضب والاندفاع، إضافة إلى تأثرهم بالمعارك النقدية المحتدمة في ذلك الوقت في بعض البلدان العربية، ولا سيما مصر. لذلك فإننا نجد أنّ النقد كثيرًا ما ينحرف إلى خصومات شخصية بي كاتبين أو أكثر، وكثيرًا ما يتدخل أهل الخير أو الصحيفة نفسها لتهدئة المعارك وفض المنازعات. وسنتناول فيما يلي بعض تلك الخصومات التي لا يخلو بعضها من ثقافة رفيعة وحسّ نقدي متميز. أولاً: يبن محمد سعيد عبدالمقصود (الغربال) وأحمد السباعي (المنسف): في مقالة "الغربال" التي نشرها في صحيفة صوت الحجاز، العدد 45، 1351هـ/1933م بعنوان "الغربال ومخاصموه" ما يلقي ضوءًا على المعركة أو المعارك التي تعرّض لها محمد سعيد عبدالمقصود إثر نشره بعض المقالات عن الأدب في الحجاز. ولم يكن متبرّمًا من ذلك النقد بل كان محبذًا لما يعتبره صحوة قلمية تدل على الحياة وعلى الحركة. وهو يستشهد في هذا المقال بطاغور، شاعر الهند، الذي يقول: "لا تصحو أمّة من نومها ولا تنهض إلا تحت ثورة قلمية، ولا يسعد الشرق إلا بائتلافه". وفي مقالتين أخريين يتحدث ابن عبدالمقصود عن "الغربال ومنتقدوه"، ويركز على نقد "المنسف"، أي أحمد السباعي. ولكن ابن عبدالمقصود يرجع بعد حوالي أربع سنوات، سنة 1355هـ/1936م، ويكتب باسمه الصريح مقالة بعنوان "على هامش ملاحظات حرة إلى الصديق السباعي" ينتقد فيها "صديقه" السباعي الذي ينحو نحوًا فكاهيًّا في أسلوبه، ويتطرق إلى موضوعات غير مهمة، ويقول إنّ السباعي كان قاسيًا في مقالته عن الطيران السعودي وفي حديثه عن اليوبيل الفضي لمدرسة الفلاح. أما السباعي فإنه ينتقد ابن عبدالمقصود ويتهمه بالكبرياء والغرور، وقد تحدّث عنه في مقالتين سماهما "معجزة عصرنا الزاهر-الغربال"، وأشبعه تهكمًا وسخرية. وفي مقالته "ملاحظات حرة على هامش ابن عبدالمقصود" التي نشرها في العدد 214 سنة 1355هـ/1936م، يردّ السباعي على نقد ابن عبدالمقصود واتهامه له بالقسوة في النقد والسخرية. ويقول: إنّ الأسلوب الفكه أسلوب فني لا يحسنه ابن عبدالمقصود الذي يرسل مقالاته باردة لا روح فيها. كما يردّ على نقده له في اختيار الموضوعات واتهامه له بالقسوة. وفي مقالتي محمد راسم "من هو الغربال؟" يقف الكاتب إلى جانب السباعي ويقول عن ابن عبدالمقصود إنه يكتب في كل شيء، ويتهمه بالسرعة أو التسرع في كتاباته، وإنه يحشر نفسه في اختصاصات الطبيب والاقتصادي والاجتماعي إلخ، أي أنه يدعي معرفة كل شيء. ثانيًا: بين العَواد والأنصاري كتب "صاحب التأملات" محمد حسن عواد عدة مقالات ينتقد فيها بعض أقاصيص عبدالقدوس الأنصاري. الأولى عن قصته "مرهم التناسي"، وقد نشرت في العدد 81 سنة 1352هـ/1933م، وفيها يتهم الأنصاري بأنه قد أقحم نفسه في فن لا يحسنه، وهو الفن القصصي، وكان الأَولى به ألاّ يتجاوز اختصاصه وهو اللغة والنحو. ويمضي العَواد في نقده اللاذع للأنصاري، موضحًا له أصول الفن القصصي ومبينًا عيوب قصته الحالية "مرهم التناسي". ويقول العواد إنّ هذه القصة تحمل نفس العيوب التي وجدها في قصته الأولى "التوأمان" والتي كان قد نشرها قبل حوالي عامين. وفي مقالة تالية يشدد العواد انتقاده للأنصاري، ويتجاوز النقد إلى أمور شخصية. ولا ينسى العواد إطراء نفسه والإشادة بمواهبه الشخصية. وفي مقالة العواد الثالثة والمنشورة في العدد 87 من صحيفة صوت الحجاز وهي بعنوان "تأملات في الأدب والحياة-عود على قصة مرهم التناسي"، يشرح الكاتب النقاط العشر التي سبق أن أخذها على قصة "مرهم التناسي"، ومنها انعدام الجو الفني، وقصر النظرة إلى النفس الإنسانية، وبُعدها عن حقائق علم النفس، والمفاجأة البشعة في "انتقال الأخلاق"، وخلوّ القصة من الخيال الممتاز، واحتواؤها على "البلى والبرود والتفاهة". أما الأنصاري فإنه يردّ على العواد بمقالة عنيفة بعنوان "تأمّلة جوفاء ونقد متهافت-حول نقد صاحب التأملات لقصة مرهم التناسي". وقد جعل نقده للعواد في ست نقاط على النحو التالي: 1- مهزلة ادعائه أنه ناقد فنّي. 2- مهزلته إزاء رواية "التوأمان". 3- مهزلة في بردعة بعير. 4- مهزلة في التعداد. 5- مهزلة المهازل. 6- كلمة الختام. والأنصاري يكيل للعواد كما قد كال له سابقًا، ولكنه لا يجاريه في الإقذاع، كما يمتدح قصصه ويقول عنها إنها رائعة وفنية. وقد هبّ للدفاع عن الأنصاري ضد العواد بعض أصدقاء الأنصاري من أهل المدينة المنورة، ومنهم "كويتب" في العدد 84 من صحيفة صوت الحجاز الذي حمل على العواد وعلى نقده لقصة "مرهم التناسي"، ويقول له إنه يجب على الناقد أن يشجع ولا يثبّط، ويشيد بالأنصاري وبقصته الأولى "التوأمان" ويقول إنها قصة حجازية. وكذلك عبد الحميد عنبر الذي حمل على نقد العواد الذي لا يتعرض للقصة نفسها، بل يتعرض لشخصية كاتبها. ونرى كذلك محمد الحافظ ينشر مقالة في صوت الحجاز تحمل عنوان "ما هكذا النقد الفني"، وينتقد فيها العواد لتهجمه على الأنصاري. وفي مقالة حمزة أضْلني هجوم كذلك على العواد ونقده وإشادة بالأنصاري. ومن الذين هاجموا العواد كذلك كل من محمد علي مغربي وعبد السلام عمر. فقد نشر المغربي مقالة بعنوان "جواب" (العدد 310 من صحيفة صوت الحجاز، 1357هـ/1938م) ردّ فيها على العواد في نقده لقصة الأنصاري الجديدة "صيدلية الآمال" وكذلك قصة العامودي "رامز" في صحيفة المدينة المنورة. وكان العواد قد غمز المغربي في القصة التي نشرها الأخير في صحيفة صوت الحجاز بعنوان "الحزينة" وذلك في معرض حديث العواد عن رواية محمد نور الجوهري (الانتقام الطبعي)؛ إذ وصفها بأنها مجرد مقالة وليست قصة. كما أنّ العواد يتهم المغربي بالسرقة من كتاب العقاد فصول؛ وذلك في مقالاته التي كان ينشرها بـصوت الحجاز تحت عنوان "أحاديث النفس". أما عبدالسلام عمر في مقالته "فولتير وروايته محمد" (صوت الحجاز، العدد 183) فإنه يردّ على ما جاء في مقدمة العواد لروايته (طريق الخلود) والتي كان قد نشر الجزء الأول منها في عدد سابق، وفيها يمتدح العواد فولتير ويعجب به وبرواية (محمد). وعبدالسلام عمر يردّ هنا على العواد ويفضح رواية فولتير هذه التي هاجم فيها الكاتب الفرنسي نبي الإسلام محمدًا . ولكن محمود عارف يهب أخيرًا لنجدة صديقه وأستاذه محمد حسن عواد فيكتب مقالته "تعقيب على جواب" (العدد 311 من صحيفة صوت الحجاز، 1357هـ/1938م) رادًّا على المغربي، ومشيدًا بأستاذية العواد وعبقريته. ثالثًا: بين حمزة شحاتة وعبدالله عريف: كان عبدالله عريف قد كتب مقالة في صوت الحجاز بعنوان: "ضريبة الإعجاب" (العدد 447، سنة 1359هـ/1940م) يشيد فيها بمحاضرة حمزة شحاتة التي ألقاها في "جمعية الإسعاف الخيري"، ولكنه يعترض على ما قاله شحاتة في محاضرته مِن أنّ الإدمان على نظر الصورة الجميلة يفقدها تدريجيًّا سحرها وتأثيرها على النفس. ويقول العريف إنّ ألوانًا من الجمال تظل ثابتة لا تتغير إن لم يضمحل هي في ذاتها. كما يعترض أيضًا على تعريف شحاتة للرجولة والفضيلة والرذيلة إلخ. وقد ردّ حمزة شحاتة على نقد عريف في ست مقالات بعنوان: "يبن الجمال والنقد"، بدأها بمناقشة عريف عن مسألة الفرد والجماعة وأيهما أكثر إحساسًا وإدراكًا الفرد في الجماعة أم الفرد منفردًا. ثم يتحدث عن نقطة الخلاف بينهما. فهل يملّ الإنسان من تكرار النظرة إلى الجمال كما يقول شحاتة، أم أنه لا يملّ بل يزداد حُبًّا وشوقًا إليه، كما يقول عريف؟‍ وتزداد حدة التوتر بين الكاتبين حين يردّ عريف على شحاتة في مقالته "تكاليف الضريبة" التي يفند فيها ما ذهب إليه شحاتة عن "الصورة الجميلة" كما يردّ على نقده وتهكمه، ويقول إنّ شحاتة يميل إلى التجريد والتعرية. ولكن عريفًا يستخدم أيضًا في رده بعض ما جاء في قصيدة شحاتة "لم أهواك؟"، ويقول إنّ شحاتة رغم ميله إلى التجريد إلاّ أنه لا يزال متشبثًا بنظرته الجمالية. ويستمر حمزة شحاتة في نشر مقالاته "بين الجمال والنقد" ويتحدث في الحلقة الثالثة (العدد 455، سنة 1359هـ/1940م) عن مقال عريف الأخير، ويبدأه بشيء من التهكم، إذ ظن أنّ ما كتبه كان واضحًا لأنه يخاطب أوساط الناس، ولكن أمله قد خاب في فهم العريف وقدرته الاستيعابية. يقول: "كتبت عن الجمال في عددين فائتين من أعداد هذه الجريدة، ما حسبته غاية في الوضاحة، صادرًا فيها عن تجارب نفسي وواقعها وعن خبرتي العميقة بالحياة والنفوس. فإذا هو الدعوى التي لا تنهض بها حجة ولا يستقيم لها قياس عند صديقي الأديب عريف..." ويقول في الحلقة التالية: "ليعلم الأستاذ (عريف) إننا لا نحتال لبلوغ رضا القراء وإن كنا أعرف بسبل هذه الغاية وحبائلها. وإننا لنترفع بأنفسنا عن أن نقف منهم موقف التهريج والاجتذاب والحيلة". وفي الحلقة الخامسة يتابع شحاتة رده على عبد الله عريف، ويشيد هنا بنفسه وبمواهبه الشخصية وقدراته على الجدل والاحتجاج. ويقول بأنه قد ذكر أشياء مهمة في محاضرته لم يذكرها أحد في هذه البلاد، كما يخطئ العريف في همه لقصيدته "لم أهواك"، ويقول إنه لم يقصد فيها إلى تجريد الجمال بل إلى السمو به والإعلاء من شأنه. وفي الحلقة الأخيرة من مقالاته "بين الجمال والنقد" يتابع شحاتة رده على عريف، وينفي هنا أن يكون الجمال ثابتًا في النفس، بل هو متجدد بتجدد النظرة إليه. ويقول في آخرها، وكأنه يعرّض بعريف وأمثاله: "وإذا كان الجمود والاجترار من طبيعة بعض النفوس الموصدة، فالسأم والتنقل من طبيعة النفوس المشبوبة. ولعل أقدر النفوس على استصفاء معاني الجمال هي أحسها بفتنته وأوفاها له وأقدرها على تنويع معانيه واستنطاقها". وفي مقالة عبدالله عريف: "بيني وبين الأستاذ حمزة شحاتة" المنشورة في صوت الحجاز (العدد 459، سنة 1359هـ/1940م) ردٌّ على حمزة شحاتة وعلى بعض الأسئلة التي كان قد وجهها إليه. ويميّز عريف هنا بين الشعور والإدراك من جهة وبين الشعور الفردي والشعور الجماعي من جهة أخرى. ويقول في نهاية المقال: "أحسب أنّ ما قلته الآن كاف جدًّا للإجابة على السؤال الأول في أنّ حماس الجماعة في ندوة الإسعاف إنما هو شعور نفسي بسيط انبعاثي بأديب تسبقه الطبول. وهذا لا يعني أنّ المحاضرة لم تكن جديرة بذلك الحماس، إنما يعني التسجيل العلمي فقط للشعور الفردي والجماعي إجابة لسؤال الأستاذ...". وقد تدخّل بعض أدباء تلك الفترة في النقاش الدائر بين شحاتة وعريف، ومنهم أحمد عطار في مقالتيه "نقاش" (العدد 461 و 462، 1359هـ/1940م)؛ إذ انتصر لشحاتة في مسألة النظر إلى الصورة الجميلة، مستخدمًا بعض حجج شحاتة نفسه في طبيعة الحياة وتطورها وطبيعة الزمن المتغير المتحول. ويحمل عطار على عريف ويشبه موقفه بموقف البخيل الذي يحتفظ بالريال ويعاود النظر إليه. ويردّ عطار كذلك على محمد عمر توفيق الذي يقول بأنّ نظرة العريف هي نظرة الشاعر، وأنّ نظرة شحاتة هي نظرة الفيلسوف. ويفنّد عطار هذا القول لأنّ عريفًا لم يعرف قط أنه شاعر، أما الشاعر الحق فهو حمزة شحاتة، ولا فرق بين الشاعر والفيلسوف، لأنّ كليهما يبحثان عن المعرفة بوسائلهما الخاصة. وعطار إنما يردّ في الحقيقة على مقالة محمد عمر توفيق "التجريد وما وراءه" التي نشرت في حلقتين في صحيفة صوت الحجاز (العدد 451 و452)، وكان يحاول فيها التوفيق بين نظرة شحاتة ونظرة عريف إلى الجمال. ويقول محمد عمر توفيق إنّ نظرة الأول هي نظرة الفيلسوف الذي يميل إلى التجريد، بينما نجد أنّ نظرة الثاني هي نظرة الشاعر الذي يكره التغلغل في ماهية الجمال أو تفتيته. ويقول إنه لا خلاف بين النظرتين، وإنّ الفيلسوف قد يكون شاعرًا في بعض الأحيان، وكذلك الشاعر الذي قد يستهويه التحليل ولكنه لا يميل غالبًا إلى التجريد الفلسفي، لأنّ هذا التجريد من شأنه أن يحيل الحياة إلى ركام. ويقول: "والتجريد إذا مذهب يصير بمن يعتنقه إلى التشاؤم والاندحار، وذلك ما لست أحسب الأستاذ حمزة شحاتة يرضاه لنفسه أو لغيره...". ويشير إلى قصيدة حمزة شحاتة "لم أهواك؟" ويقول إنّ الشاعر قد "عبث فيها بمن يهواه وافترضه ذا شأن ضئيل من الذكاء والحسن وما إلى ذلك مما أملاه عليه منطق التجريد...". ولكن محمد عمر توفيق يؤكد في النهاية أنّ حمزة شحاتة لا يعمد في الحقيقة إلى التجريد إلاّ كمنطلق قد يهجره ويهرب منه. أما محمد علي مغربي فكان قد نشر مقالة عن قصيدة حمزة شحاتة "لم أهواك؟"، وقبل النقاش الذي احتدم بين شحاتة وعريف بزمن طويل (العددان 370 و371 من صحيفة صوت الحجاز، 1358هـ/1939م)، وقد أطرى تلك القصيدة وأعجب بها إعجابًا شديدًا، ويقول إنّ حب شحاتة في هذه القصيدة هو حب الأديب الفيلسوف الذي يحاول أن يكتنه طبيعة حبه لمحبوبته، وأن يمتزج فيها بالكون والطبيعة. ويحلل المغربي نزعة الشاعر الصوفية الفلسفية في الحب مستشهدًا بالعقاد وبالشعر القديم. رابعًا: بين عبدالكريم بن جهيمان وحسين سرحان: انتقد عبدالكريم بن جهيمان بعض ما جاء في مقالات حسين سرحان التي كان قد نشرها في صحيفة صوت الحجاز بعنوان "مشاهدات في المدينة" وتحدّث ابن جهيمان في مقالته "مناقشة لصاحب مشاهدات في المدينة" والتي نشرها في العددين 235 و236 من الصحيفة عن ضيق السرحان في رحلته تلك إلى المدينة المنورة بالمطوّع الذي كان معهم. ويقول الجهيمان إنّ ذلك "المطوّع" لم يفعل سوى ما أملاه عليه واجبه الديني، إذ رأى بعض الشباب من المسافرين يقومون ببعض ألعاب الطرب والغناء فنهاهم عنها. وفي مقالته "ردّ واستدراك" يردّ الجهيمان على مقال السرحان الذي سماه "حاطب ليل" متهكمًا فيه بالجهيمان وساخرًا منه. ويعود الجهيمان هنا إلى نقد ما جاء في مقال السرحان السابق: "مشاهدات في المدينة المنورة"، واصفًا السرحان بالتسرع والنـزق، ومبيّنًا خطأه في بعض النواحي الدينية. أما السرحان فقد ردّ على الجهيمان في ثلاث مقالات بعنوان "مناوشات ومناقشات"، الأعداد 237، 238، 239، وقد سماه "حاطب ليل". وهو رميه بالتعصب والتقوّل على الناس باسم الدين، ويظن فيهم الظنون. ويقول إنّ ابن جهيمان يصلح أن يكون عضوًا في محكمة التفتيش، وإنّ كل ما قاله عنه غير صحيح. والحقيقة أنّ الجهيمان لم يكن هو الوحيد الذي انتقد مقالات السرحان "مشاهدات في المدينة المنورة"، بل انتقده كذلك عبدالقدوس الأنصاري، وإن كان نقده لأسباب أخرى غير تلك التي جاءت في مقالات الجهيمان. فالأنصاري يقوم فقط بتصحيح بعض الأخطاء التي يرى أنّ السرحان قد نسبها إليه، وقد أحصاها في مقالته التي سماها "حول مشاهدات في المدينة – الملاحظات الثلاث" العدد 236، سنة 1355هـ/1936م. فالملاحظة الأولى أنّ الأنصاري لم يقل إنه يريد في دراسته لأعلام الشعر في الأدب العربي أن يختطّ له أسلوبًا حجازيًّا يرجع فيه إلى أدب الحجاز أيام ازدهاره في صدر الإسلام. والملاحظة الثانية أنه يعترف بتأثره بالأدب المصري، ولكنه لا يلتزم السجع كما يزعم السرحان. أما الملاحظة الثالثة فهي أنّ اهتمامه بفخامة العبارة لا يعني إهماله لجانب الفكرة، خلافًا لما يقوله السرحان. ونحن نرى السرحان في مقالته: "مناوشات ومناقشات، يعترف بصواب ما جاء في ملاحظات عبدالقدوس الأنصاري، ويقول إنه لا يريد الدخول معه في عراك، بل إنه يمدح الأنصاري ويصفه بهدوء النفس وسلامة الذوق. خامسا: بين أحمد عطار وعباس زواوي: كتب أحمد عطار مقالاً في صوت الحجاز بعنوان "للحقيقة والتاريخ" العدد 209، 1355هـ/1936م، يبيّن فيه أنّ المقال الذي نشره عباس زواوي في صوت الحجاز، العدد 208، بعنوان "عصور الألم" إنما هو منتحل جميعه من كتابي الفصول للعقاد وحصاد الهشيم للمازني. وقد أتى العطار بفقرات من مقال الزواوي وما يقابلها من كتاب المازني ليثبت سرقة الكاتب المذكور. وقد علّق محرر الجريدة على مقال العطار بقوله إنّ "فكرة المقال من أساسها للأديب الصهيوني الفرنسي الشهير ماكس نوردوا، وقد محّصها الكاتبان القديران العقاد والمازني". ويقول المحرر: "والذي حبّب إلينا نشر مقال الأديب الرغبة في تشجيع الاتجاه الفكري لدى الناشئة إلى هذه النواحي القوية، ومناصرة البحث الجدي. على أننا لا ننكر ما لأديبنا الناشئ من ابتكار جزئي يغبط عليه، ولكننا نحب الآن أن نسمع دفاعه عن نفسه". ويردّ الزواوي في "كلمة عجلى" العدد 210 على اتهامات العطارش، ويردد ما قاله محرر الجريدة من أنّ الفكرة هي لماكس نوردوا وليست للعقاد ولا للمازني. وهو يعترف بأنه قد أخذ هذه الفكرة وطبقها على الأدب العربي. أما سبك الجمل واقترابها من أسلوب المازني، فذلك من تأثير المطالعة الطويلة، والاندماج بروح المازني. وهذا شيء جرت عليه العادة، وهو تأثر وليس سرقة. ويردّ العطار في مقالته "ردّ على ردّ" العدد 213 على الزواوي مؤكدًا انتحاله للمقال، ومفنّدًا -كما يقول- مزاعمه ومغالطاته. ولقد كشف العطار أيضًا في مقالته "حول مقال عبدالمجيد شبكشي" لصوص الأدب أو مجانين الشهرة، العدد 221، سرقات أخرى هي هذه المرة للشبكشي في مقالته المنشورة في صحيفة صوت الحجاز بعنوان "فقدان النقد النـزيه من أدبنا المزدهر"؛ إذ هي مأخوذة من مقال مصطفى القشاش، محرر مجلة الصباح المصرية. وقد أتى العطار بفقرات من المقالين لإثبات هذه السرقة، بل إنه يؤكد أنّ شبكشي لم يكتف بالسطو على المقالات ونشرها في "صحفنا المحلية" بل إنه قام بنشر مقالات مسروقة في صحف مصرية. فقد انتحل مقال "موسوليني" ونشره بعنوان "يا بلادي" في مجلة الرابطة العربية بمصر، كما نشر مقالاً آخر بعنوان "الفروق الطبيعية بين المرأة والرجل" في الأهرام ثم في مجلة الشباب، وهو مسروق مقال لأحمد أمين في مجلة المنهل. ولكن العطار على الرغم من كثرة صولاته وجولاته فإنه لم يسلم هو نفسه من انتقاد الآخرين، ولا سيما ما يقولون عنه تمسّحه بأدباء مصر المشهورين. وهاهو أحدهم، وقد سمى نفسه "معبد" يكتب مقالة ساخرة بعنوان "أين كنت قبل اليوم؟" يهجو فيها العطار هجاءً مُرًّا، مركّزًا على ما يردّده دومًا من ادّعاءات حول صداقته أو صلاته الحميمة بعباس محمود العقاد. ويقول "معبد" إنه هو نفسه يحتفظ بصداقات كثيرة مع زكي مبارك والمازني والرافعي وغيرهم، ولكنه يستدرك قائلاً: "وقد تسألني أيها القارئ عن نوع هذه الصداقة وحقيقتها التي تربطني بهذه الزمرة من الأدباء والكتّاب. وهل هي من نوع الصداقات المعترف بها من الطرفين، أو أنها صداقة معترف بها من طرف واحد؟ وكان بودّي أن أجيبك لولا الحياء، ولكني أحيلك على صديقنا أيضًا الأستاذ العطار، لأنه كان معنا في مصر، ثم هو -كما تعرف- خبير بفنّ الصداقات...". سادسًا: يبن الفلالي وحوحو وعاشور: أشاد أحمد رضا حوحو في زاويته "بين وبين الناس"، العدد 515، بأسلوب إبراهيم فلالي وطريقته في استخدام التكنيك القصصي، ويبسط حوحو رأيه في فن القصة لإرشاد الناشئة -كما يقول- لاتباع الأسلوب الصحيح في الكتابة القصصية، مثل استنطاق الشخصيات والبعد عنها والاهتمام بإدارة الحوار حسب المستوى الاجتماعي والثقافي للشخصية إلخ. ولكن حوحو في العددين 516 و525 يبدي رأيه في قصة الفلالي "من بين الأكواخ" التي سبق أن نشرها في مجلة المنهل؛ فيقول إنّ استنطاق الشخصيات أمر في غاية الصعوبة، ويقتضي التقمص ومراعاة المواقف والظروف المختلفة التي تمرّ بها الشخصية. وكان الفلالي قد رد على ملاحظات حوحو في مقالة له بعنوان "نردّ مبتسمين"، العدد 521، دافع فيها عن قصته، ومؤكدًا أنها من صميم الواقع، وأنه ينحو فيها نحو الرافعي من حيث المنهج أو الطريقة. أما سيف الدين عاشور فقد انتقد الفلالي -في مقالته "أحاديث قصيرة، العدد 319- في محتوى العمود الذي كان يكتبه بجريدة صوت الحجاز تحت مسمى "كلام الناس"، ويقول إنّ ما يكتبه الفلالي لا يتعدى في الحقيقة الكلام العادي، ويقترح عليه أن يستبدله بكلام المتميزين من الأحياء الذين يتجهون إلى الحياة بشعور حي وقلب نابض. ويقول عاشور إنّ أسلوب الفلالي كذلك لا ميزة فيه، وهو يرجوه أن يتجه إلى الحياة والقوة "ويعفينا من هذا الكلام الذي لا تتجه إليه النفس ولا يخفق له الشعور". والحقيقة أنّ مقالة عاشور هذه طويلة جدًّا، فهو يتحدث أولاً عن "الذوق الأدبي"، ثم يتحدث عن "النقد"، ثم يتحدث بعد ذلك عن عمود الفلالي "كلام الناس". وعاشور يحمل في مقالته هذه على أدعياء النقد الذين يعتمدون على "الذوق" فقط، كما يحمل على أولئك الذين هم ضعاف في حصيلتهم اللغوية، وكذلك الذين يشوهون النص بحذف بعض فقراته ليستقيم لهم الرأي. سابعًا: بين محمد عمر توفيق ومحمد علي مغربي: كتب محمد عمر توفيق مقالة بعنوان "مقالات"، العدد 383، 1358هـ/1939م، ينتقد فيها مقالة لمحمد علي مغربي نشرها في جريدة صوت الحجاز عن مدينة الطائف، وكان قد نشر قبلها مقالة عن مدينة جدة. ويقول توفيق إنّ مقالة مغربي عن الطائف تبدأ بأوصاف شاعرية مبتذلة يعرفها العوام، ثم تنتهي بمناشدة الحكومة والشعب المبادرة إلى إصلاح هذه المدينة، وإصلاح الطرق التي تؤدي إليها. كل ذلك في أسلوب صحفي عادي، مما أدى إلى مزج فكرتين متناقضتين في مقالة واحدة. ويقول محللاً هذه الحالة إنّ المغربي قد توزعته حالتان "إحداهما هامدة في نفسه، والأخرى جائشة تبعث على الهتاف. ويشاء هو -تعمية على قارئه أو على غيره، أو إلفاتًا إلى هذه الشاعرية النشيطة فيه إلفاتًا غير محمود- أن يزجّ بشاعريته زجًّا فيما لا يعنيها ولا يعني القارئين، أن يكون لها فيه صوت مسموع فتخبطت، وكانت مزيجًا من العامية والتقليد، وكانت كإعلانات الحوانيت...". ويردّ المغربي على توفيق، في مقالته "تعريف"، العدد 384، حيث يكشف أولاً عن رمز توفيق الأدبي أو اسمه المستعار "راصد"، ثم لا يلبث أن يتهكم به تهكمًا مرًّا ويقول إنه بعد أن نشر مقالاته عن العقاد والرافعي ظن أنه قد غدا ناقدًا خطيرًا يحق له توجيه الأدب في الحجاز كما يشاء، كما غدا أسلوبه يشبه الأسلوب "الرسمي" الذي يعتمد على التقريع والعنف. ويقوم المغربي بنقد إحدى قصائد توفيق التي سبق أن نشرها في صحيفة المدينة المنورة، وهو نقد فيه الكثير من التمحّل والقسوة. وقد ختمت إدارة تحرير "صوت الحجاز" مقالة المغربي بالأسطر التالية: "إنّ صوت الحجاز تقفل باب هذه المناقشة بهذا الرد المنشور، معتذرين لحضرات الأدباء الكرام بعدم اتساع نطاق الصحيفة وضيق ظروفها لذلك". ثامنًا: بين محمد عمر توفيق وأحمد عطار: كتب محمد عمر توفيق سبع مقالات بعنوان "موازين النقد"، الأعداد 478، 482، 484، 485، 1359هـ/1940م، يردّ فيها على العطار الذي كان قد انتقد محاضرته عن الأدب في الحجاز والتي سبق أن ألقاها في جمعية الإسعاف الخيري. ويبدأ توفيق بمقدمة طويلة يكشف فيها شيئًا عن مزاجه الشخصي وطبيعته. فهو -كما يقول- لا يهتم بما يقوله النقاد عنه، كما أنه يشكو من سلبية القراء وصعوبة الكتابة في وسط هامد، ويقول إنّ المحاضرة التي ألقاها في جمعية الإسعاف إنما هي محاضرة تصويرية عن الأدب وقصته في الحجاز بشكل عام، ولم تتعرض المحاضرة لقضايا النقد أو التحليل والبحث وضرب الأمثلة. كما يردّ هنا على اتهام العطار له بتغليب الأسلوب على الفكرة. ونحن نجد أنّ محمد عمر توفيق كثيرًا ما يحاور ويداور ويطنب ويوجه النصائح إلى العطار ويتهكم به. ويبدو أنه يتشبه في أسلوبه المعقد بحمزة شحاتة، بحثًا عن العمق. وهاهو يدافع عن تعريفه للأدب بأنه غمزة من غمزات الأحلام، ويهاجم تعريف العطار بأنّ الأدب لا يعدو أن يكون القول الجميل فحسب، كما يردّ على العطار أيضًا فيما يتعلق بفوضى الثقافة وأثراه السيئ على ناشئة الأدب. ومحمد عمر توفيق غير راضٍ إجمالاً عن واقع الأدب في الحجاز خلال تلك الحقبة؛ إذ يقول عنه إنه "إنتاج صحفي لا يطول به الزمن حتى يفقد قيمته ومعناه، وحيث تنعدم فيه خلاصات الدرس المستقل... ومن هنا شاع التقليد، وانبثّت السرقات، وكان عمر الشاعر أو الكاتب لا يعدو الفورة الأولى أو الوثبة الجامحة بادئ العمر. ومن هنا تلاشى الكفاح الأدبي... ومن هنا كانت الحياة الأدبية لا تحمل طابع الجد والفائدة والذخيرة، وإنما تحمل المادة الصحفية والفكرة العابرة...". تاسعًا: تعليقات عزيز ضياء على بعض كتابات السباعي والصبّان: تناول عزيز ضياء بعض مذكرات أحمد السباعي التي كان ينشرها في صوت الحجاز بعنوان "أوراق العيد" تناولاً فكاهيًّا خفيفًا في مقالتين تحملان مسمى "على هامش أوراق العيد-مزاح"، العددان 189، 190، 1354هـ/1936م. وضياء ينتقد السباعي في شخصيته وفي أسلوبه وفلسفته، ويشبعه تنكيتًا وسخرية، كما يكشف ما يحسبه مغالطات في كتاباته عن العيد بمصر. أما مقالة عزيز ضياء "الأستاذ أبو فراس"، العدد 237، 1355هـ/1936م، فهو يتوجه فيها إلى صاحب هذا اللقب المستعار، محمد سرور الصبّان، وبعد أن يكيل له الإطراء والمديح يتساءل عن الهدف من نشر هذه "الأسبوعيات" في الجريدة، وهي لا تعدو في الحقيقة عن نُبَذٍ ومختارات من الصحف والكتب، وليس للصبّان فيها أي جهد يذكر، لا بالتعليق ولا بالدراسة. وضياء يريد من "أبي فراس" الصبّان أن يوضح له وللقراء الهدف من نشر مثل هذه الأسبوعيات. نرى في استطرادات عزيز ضياء وتكراره لبعض الجمل والعبارات تأثرًا واضحًا بالأستاذ الكبير طه حسين. ومن المعلقين على "أسبوعيات" الصبّان أيضًا محمد سعيد العامودي (م.س.ع) في مقالته "هي فوضى أدبية حقًّا‍"، العدد 220، إذ أشار فيها إلى ما قاله الصبّان في لومه الكتبي على اتهام الأدب الحجازي بالفوضى، وقراره الامتناع عن نشر دراساته الأدبية في الصحف المحلية. ومن المعلقين على "الأسبوعيات" من سمى نفسه "إياه" في مقالته "تعليقات"، العدد 232، إذ أشار فيها إلى ما كتبه الصبّان عن الغباوة والذكاء نقلاً عن حسين شفيق المصري. وقد أشار أيضًا "إياه" في "تعليقات" أخرى، العدد 234، إلى ما كتبه عزيز ضياء في "أحاجٍ ورموز" عن بعض أدباء الحجاز وامتداحه لهم ومحاولته التعرف على شخصياتهم. كما أشاد مَن سمى نفسه "عين" في مقالته "أدباؤنا والنقد"، العدد 271، بعزيز ضياء في مقالته "قدرة الإرضاء" التي نشرها بجريدة المدينة المنورة، ونقد فيها مقالات محمد سعيد العامودي. ويقول "عين": و"أشهد مخلصًا أنه (ضياء) وفق في كتابة نقده إلى حد كبير، وأنه كان مهاجمًا لبقًا، وأحسب أنّ الأستاذ العامودي سيرضى أشد الرضى عن هذا الفعل". عاشرًا: قصائد وآراء: لعل من أول الآراء التي نُشرت في صحيفة صوت الحجاز حول بعض القصائد السعودية ما كتبه عبد اللطيف أبو السمح (خريج المعهد) في السنة الثانية من الجريدة، عدد 58، 1352هـ/1933م، منتقدًا فيه قصيدة حسين سرحان التي نظمها بمناسبة العام الهجري الجديد، فقد بيّن مساوءها من الناحيتين المعنوية واللغوية. وينتقد "قارئ" في العدد التالي من الجريدة قصيدة عبداللطيف أبي السمح "موقف وداع" ويبيّن مساوءها وهي كثيرة، ويسخر منها مرّ السخرية. أما "هول الليل" -حمزة شحاتة- فإنه يتولى نقد قصيدة عباس حلواني المسماة "وبدا البدر فالتقى بالنظير"، المنشورة في العدد 230 من الصحيفة. وقد سخر شحاتة من القصيدة وشاعرية قائلها، وهو يأتي بأمثلة من القصيدة ويأخذ في تحليلها وبيان ضعفها من ناحية اللفظ والمعنى وناحية اللغة. وفي مقالتين تاليتين لـ"هول الليل" بعنوان "عزاء"، العددان 233 و234، يتصدى لمن سمى نفسه "سهران" الذي كان قد هبّ لنجدة صديقه الحلواني، فيبيّن شحاتة أخطاء هذا الكاتب وبعده عن الحقيقة في محاولته تبرير الأخطاء التي تورط فيها الشاعر الحلواني. ولكن "سهران" يكتب مرة أخرى، بعد حوالي عام من دفاعه عن الحلواني ولومه لناقده حمزة شحاتة، غير أنه هذه المرة يكتب ليطري قصيدة شحاتة "سطوة الحسن" التي نشرتها جريدة صوت الحجاز، ويبدي إعجابه الشديد بها (انظر مقالته "القديم والجديد أيضًا"، العدد، 252، 1356هـ/1937م). ويقول "سهران" إنّ هذه القصيدة صادقة وواقعية وليس فيها صنعة أو تكلّف. ويقول في الإشادة بروعة القصيدة وعبقرية صاحبها: "هذه كلمة عجلى عن قصيدة "سطوة الحسن"، وهي فصيحة الدلالة على ما لصاحبها من سلامة الطبع وقوة الإحساس ودقة التصوير. وبودّنا لو نسمع لهذا الشاعر المجيد في كل فنون القول، فلعله مجيد فيها جميعًا. فنظفر أخيرًا من هذا البلد الكريم بشاعر مطبوع نفاخر به شعراء مصر والشام والعراق، ونرفع بآثاره ذِكر هذا البلد، وندفع عنه تهمة التخلّف والعقم...". وقصيدة "سطوة الحسن" هي المثبتة في أول صفحة من صفحات ديوان حمزة شحاتة الحالي (دار الأصفهاني، ط1، 1408هـ/1988م) والتي يقول في مطلعها: بعد صفو الهوى وطيب الوفاق يا معافًى من داء قلبي وحُزني هل تمثّلتَ ثورة اليأس في وجهي عزّ حتى السلام عند التلاقي وسليمًا من حُرقتي واشتياقي وهول الشقـاء في إطراقي؟ كما قرّظ النقاد شاعرًا آخر عُرف بصداقته لحمزة شحاتة، كما عُرف بلونه الشعبي الساخر وهو أحمد قنديل. ولقد أثار نشيده "العَلَم" خلافًا بين الأدباء وانقسموا حوله بين مؤيّد ومعارض. وهاهو عبد السلام الساسي يكتب مقالة بعنوان "حول نشيد العلم أيضًا"، العدد 311، 1357هـ/1938م، يشيد فيها بهذا النشيد الذي نظمه أحمد قنديل، وأنشده طلبة الكشافة. ويقول إنه ينبغي على مديرية المعارف أن تعمم الأناشيد في المدارس لتنمية الروح الوطنية. كما يهيب بالشعراء أن يلجوا هذا الباب الذي مِن شأنه إيقاظ الأمّة وتحميسها إلى النهوض. وكان قنديل نفسه قد كتب مقالتين "حول نشيد العلم"، العددان 307، 308، يردّ في الأولى على منتقديه، ويقول إنّ النشيد كان قد وضعه أصلاً لطلاب مدرسة تحضير البعثات، ويتهكم في الثانية على أحد منتقديه الذي لم يذكر اسمه، ولكنه يصفه بأنه رجل هرم، كثير الشكوى، لا يعجبه شيء ولكنه يتخفّى دومًا ولا ينشر ما يلفظ به على الملأ. ولقد قام من سمّى نفسه "سندباد" (حمزة شحاتة؟) بكتابة مقال رصين رائع ساخر بعنوان "دون كيشوت"، العدد 308، يدافع فيه عن القنديل الذي وردت في مقالة له عن نشيد العلم عبارة "الدون كيشوتية". ويقول محرر الجريدة إنّ كثيرًا من الأدباء قد استفسروا عن معنى هذه العبارة، وقام "سندباد" بهذا التوضيح. ومن ناحية أخرى، فلقد قام محمد علي مغربي، في زاويته "من أحاديث النفس"، العدد 312، بتقريظ القنديل في قصيدته "جدة" والكشف عن شاعريته ومقدرته على تمثّل هذه المدينة الجميلة في بحرها وسهولها وجبالها وكل ملامحها وسماتها الخاصة المتميزة. ويقول إنّ من واجب الشعراء في بلادنا أن يتغنَّوا بمدنهم، وأن يكشفوا عن مشاعرهم تجاهها. فأدب المدن قد أصبح معروفًا ومقدّرًا في جميع أنحاء العالم. ولمن سمى نفسه "معبد" مقالة فكاهية طريفة بعنوان "أين كنت قبل اليوم؟" العدد 529، 1359هـ/1940م، يسخر فيها بشاعرية صديقه حسين عرب: "بيني وبين زميلي الشاعر حسين عرب اتفاق مزمن موقّع عليه من الطرفين. وأهم مواد هذا الاتفاق ألاّ يقرأ عليّ شيئًا من شعره حتى ولو كان نشيد العسكرية أو الجندية، لا أدري فقد نسيت اسمه. ولكنه بدأ -أعني الزميل لا النشيد_ يُصاب بالإسهال الشعري. فهو في كل يوم يرميني بقصيدة من البحر المالح. وفي هذا، كما ترى، مخالفة صريحة لأهم مواد الاتفاقية يُعاقب عليها قانون الشعراء بغرامات أدبية لعل أقلها منعه من نظم الشعر بتاتًا. فهل للشعراء عميد كعميد الصحافة مثلاً أرفع إليه شكواي؟". وفي مقالة هاشم يوسف الزواوي: "من الأعماق -درس وتحليل"- العدد 473، إطراء لقصيدة حسين عرب المسماة "من الأعماق"، وهو يورد بعض أبياتها ويشرح معانيها، ويقف عندها متأملاً معجبًا. أما مقالات "س. م. ن" التي نشرها في "صوت الحجاز" بعنوان "كلمة بعد كلمة: الشاعر الكبير أحمد إبراهيم الغزاوي"، الأعداد 97، 98، 99، 1352هـ/1934م، فهي تردّ على الناقد الذي سبق أن كتب عن شِعر الغزاوي وقلل مِن قيمته الإبداعية. والكاتب هنا يحاول تفنيد تلك المزاعم مؤكدًا أنّ الغزاوي هو مِن شعراء الطبقة الأولى. ولكن مقالات "س. م. ن" تتسم بالسطحية والضعف. وللغزاوي نفسه مقالة بعنوان "عتاب واستدراك"، العدد 194، 1354هـ/1936م، يردّ فيها على ما نشره محرر مجلة الاثنين المصرية الذي انتقد قصيدة الغزاوي في تأبين الأستاذ التفتازاني، وقد نشرت في صوت الحجاز والأهرام والمقطم. ومحرر الاثنين ينتقد القصيدة من الناحية اللغوية، ويردّ الغزاوي في مقالته على هذا النقد. أحد عشر: مع الأدباء العرب: تأثر الرعيل الأول من أدبائنا ببعض الأدباء العرب المشهورين في مصر والشام والمهجر الأمريكي. ونجد في صحيفة صوت الحجاز بعض المقالات التي تشير إلى هذا التأثر بشكل أو بآخر. ومن هذه المقالات ما كتبه جرير (سيف الدين عاشور) بعنوان "عقّاديون ورافعيّون أيضًا"، العدد 378، 1358هـ/1939م، إذ يعلّق فيه على ما كتبه "راصد" (محمد عمر توفيق) بجريدة المدينة المنورة حول العقاد والرافعي ومدرستيهما. وسيف الدين عاشور يؤيد الرافعي ويمتدح محمد عمر توفيق لتنبهه لعبقرية الرافعي، ويقول إنه كان من أنصار العقاد إلى أن كتب سيد قطب مقالاته عن العقاد والرافعي، متعصبًا للثاني؛ مما لفت نظر سيف الدين عاشور إلى الرافعي فمضى يلتهم أدبه ويكتشف سر عبقريته. ونجد من سمّى نفسه "يقظ" يدافع عن المازني في مقالته "المازني في ميزان المنهل"، العدد 308، 1357هـ/1938م، ويردّ على "باحث" في مجلة المنهل الذي انتقد المازني وقال عنه إنه مخفق في كتابة البحوث الجادة، وهذا سر انصرافه إلى الفكاهة. ويفند "يقظ" هذا الرأي، كما أنه يكتب مقالاً آخر في صحيفة صوت الحجاز، العدد 313، يدافع فيه عن زكي مبارك. ومن أدبائنا مَن تصدّى لبعض الكتابات العربية التي تناولت الأدب في منطقة الحجاز قديمًا وحديثًا. وهاهو محمد حسن كتبي، في مقالته "رجع صدى"، العدد 206، 1355هـ/1936م، يؤيد ما قاله الدكتور محمد حسين هيكل عن النفسية الحجازية، وأنّ تعلّقها بالماضي قد ألهاها عن الحاضر وعن التعرف على الحضارة العصرية. ويردّ "ر. س" في مقالته "الحقيقة بنت البحث"، العدد 393، على ما نشره محمد كرد علي في مجلة الهلال، عدد يوليه 1939م، بعنوان "كُتُبنا وتآليفنا" إذ يتهم الحجاز بالفقر العلمي والجهل، ويقول: "يكاد يكون البلد الذي ظهر فيه الخير للأمّة العربية، ونعني به الحجاز، مقفرًا مِن كل شيء اسمه تأليف بالعربية، ولم نر لبنيه إلى الآن شيئًا يُذكر في باب التأليف. والشعر منحطّ والنثر منحطّ، ولا صحف مهمة ولا مدارس عالية..." ويردّ عليه كاتب المقال بأنّ هذا الادعاء غير صحيح، ويستشهد بالمدارس الكثيرة التي فتحت في عهد الملك عبدالعزيز، وبالمؤلفات التي ظهرت، وبالصحف وما ينشر فيها مِن شعر ونثر. ومِن المؤلفات التي يذكرها الكاتب "ر. س" حياة سيد العرب، وتاريخ عمارة المسجد الحرام، وتاريخ الكعبة المعظمة لعبد الله باسلامة، وكتاب أدب الحجاز، وكتاب المعرض مِن وضع محمد سرور الصبّان، وكتاب خواطر مصرّحة، وكتاب الإكليل الذهبي لمحمد حسن عواد، وكتاب وحي الصحراء جمع محمد سعيد عبدالمقصود خوجة وعبدالله بلخير. أما الصحف والمجلات فيذكر منها: أم القرى، وصوت الحجاز، والمدينة المنورة، ومجلة المنهل، ومجلة النداء الإسلامي. ويقول الكاتب: لو أنّ محمد كرد علي اطلع على هذه الصحف والمجلات وما يُنشر فيها لرأى "بدائع النثر وروائع الشعر ورقة الأساليب وقوة المنطق وسحر الخيال وغزارة المادة...". ويردّ "قارئ" (يوسف ياسين؟) في مقالة له بعنوان "الشعر في العصر الجاهلي وصلته بحياة العرب الاجتماعية-تعليق وتحقيق- العدد 328، على مقالة محمود مختار عكاشة التي نُشرت في إحدى الصحف المصرية والتي يعتمد فيها الكاتب على الشعر الجاهلي فقط في مسألة انتساب العربي إلى أمّه، وما كانت تفعله النساء حين لا يتقدم أحد لخطبتهن. ويقول له "قارئ" لا يجوز الاعتماد فقط على الشعر ما لم تؤيده قرائن تاريخية وعلمية صحيحة. أما محمد سرور الصبّان فيردّ في مقالته "إيضاح حول كلمة في كتاب نفثات من أقلام الشباب الحجازي"، العدد 254، على كلمة محيي الدين رضا التي نُشرت بجريدة المقطَم المصرية، تعليقًا على ما جاء في كلمة الصبّان في كتاب نفثات حول ضرورة الحد من التعليم في الحجاز بما يلائم حاجة الحجازيين. ويقول الصبّان في رده هنا إنه لا يعني إلا توجيه التعليم الوجهة العلمية، لأن معظم الشباب المتعلم ينخرط في الوظائف الحكومية، وهي وظائف محدودة، وضيق الموارد الاقتصادية في الحجاز يثبت ذلك. وبعد، فتلك المعارك الأدبية أو الخصومات النقدية، إنما تمثل البدايات الأولى لروادنا الأدباء، الذين كانوا شبّانًا في تلك الحقبة، أي بين الحربين العالميتين. لم يظهروا في صحيفة القِبْلة حيث كانوا غلمانًا صغارًا، ولم يُعرف معظمهم في صحيفة أم القرى؛ لأنهم كانوا في أولى خطواتهم، وكانت الصحيفة يغلب عليها الطابع الرسمي وأدب الإصلاح والمناسبات. أما صوت الحجاز فقد كانت صحيفة الشباب، ولكنها لم تعمّر طويلاً. وقد تألّق فيها أستاذنا حمد الجاسر، رحمه الله، وأحصيت له تسع قصائد بتوقيعه الصريح أو المستعار "بدوي نجد" و"الشاعر الهزلي"، وله أيضًا الكثير من المقالات الأدبية. أما في صحيفة أم القرى فلم أسجل له في تلك الفترة سوى ثلاث قصائد وسبع مقالات فقط، ولم يكن من المشاغبين بين الحربين، بل أجّل الغضب والصدام -فيما يبدو- إلى فترات لاحقة. ومعارك الجاسر -وهي كثيرة- تحتاج إلى بحث مستقلّ. الهوامش: * عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية. (1) محمد الشامخ: نشأة الصحافة في المملكة العربية السعودية، دار العلوم للطباعة والنشر، ط1، الرياض، 1402هـ/1982م، ص154.

الحازمي يكشِّف (صوت الحجاز) أول صحيفة أهلية سعودية

يُعد الدكتور الحازمي أحد أقدم الأكاديميين السعوديين من حملة الدكتوراه والمتخصصين في دراسات الأدب والنقد، ومن أكثرهم حضوراً في ساحة الحراك الثقافي المعاصر، وقد سبق أن نال جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب (2001م) وأصدر نحو عشرة مؤلفات وشارك في ستة. خاض تجربة الفهرسة من خلال معجمه الأول الذي خصّصه لتكشيف أول جريدة سعودية وهي الصحيفة الرسمية (أم القرى) التي بدأت في الصدور في أواخر عام 1924م وما تزال تصدر، وقد أسماه: (معجم المصادر الصحفية لدراسة الأدب والفكر في المملكة العربية السعودية). وقد وعد في معجمه الأول الذي أصدره عام 1974م أن يواصل تتبع هذه المصادر القديمة، ووضع هدفه الثاني جريدة (صوت الحجاز) التي صدرت عام 1932م واستمرت عشرة أعوام، حين أجبرتها ظروف نقص إمدادات الورق إبان الحرب العالمية الثانية على التوقّف. وها هو الآن بعد ثلاثة عقود يفي بوعده فيصدر عمله الثاني على أفضل وجه يمكن أن يقوم بمجهود فردي لفهرسة جريدة صدر منها نحو (592) عدداً (بشكل أسبوعي ثم نصف أسبوعي). لن أتناول في هذا العرض المفترض للمؤلَّف الجديد، الذي أصبح ميسوراً في متناول طالبيه، لكنني أقتصر على التذكير بأهمية هذه الجريدة التي يُنظر إليها على أنها رائدة الصحافة الأهلية السعودية، وهو أحد الأسباب التي دعت المؤلِّف إلى اختيارها لوضع جهوده المتميزة التي نادراً ما يقوم بها الأفراد في إنتاجهم الفكري. والواقع أنه ما كان لصحيفة بهذه الأهمية التاريخية أن تجد أفضل من د.الحازمي للقيام بهذا العمل العلمي الشاق، خاصة إذا ما عرفنا أنه من مواليد مكة المكرمة وأنه فتح ناظريه على قراءتها في صغره حيث كانت تصدر في المدينة المقدسة. اكتسبت هذه الصحيفة أهميتها الأولى من كونها أول صحيفة أهلية سعودية، ومن كونها تعدّ نواة صحيفة (البلاد) التي ما زالت تصدر حتى الآن، ثم من كونها في حينه الميدان الأرحب الذي تبارى فيه الأدباء السعوديون الكبار، وتطارحوا فيه الأفكار الاجتماعية والثقافية الجريئة، في وقت لم تكن تتوافر في البلاد قنوات كافية لاستيعاب إنتاجهم، وكان مما ساعد هذه الجريدة في القيام بهذا الدور أن القائمين عليها كانوا من نخبة المفكرين الرواد من أمثال محمد سرور الصبان ومحمد علي مغربي وحمزة شحاتة وأحمد السباعي وأحمد قنديل وعبد الوهاب آشي وعزيز ضياء وغيرهم. ومن هنا، فإذا كانت الصحيفة الرسمية (أم القرى) تُعد الأهم لأنها أول صحيفة صدرت في العهد السعودي، ولأنها وما تزال الصحيفة الرسمية، فإن صحيفة (صوت الحجاز) تعد الأهم شعبياً وثقافياً ونخبوياً حتى إن كثيراً من أدباء المملكة لم يشتهروا إلا بعد صدورها. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى معلومتين تاريخيتين تتصلان بهذه الجريدة، الأولى أن مؤسس هذه الجريدة هو الشيخ محمد صالح نصيف (وهو قريب العالم السلفي المعروف محمد حسين نصيف) وكان أصدر في عهد الشريف علي بن الحسين، آخر أشراف الحجاز، صحيفة (بريد الحجاز) التي ظهرت في جدة مدة عام واحد فقط ثم توقفت مع رحيل الشريف وانتهاء حكم الهاشميين في الحجاز، ومن ثم فإنه بعد سنوات من استقرار الأوضاع في البلاد يتقدم إلى الحكومة بطلب إصدار (صوت الحجاز)، التي قد تعتبر من هذه الناحية ذات صلة بالأولى. أما المعلومة الثانية، فهي أن الشيخ عبد العزيز الرشيد، مؤرخ الكويت المعروف ورائد صحافتها، كان أحد الذين تقدموا، مساندين طلب الشيخ نصيف، بالحصول على امتياز الجريدة، وقد كان - أي الشيخ الرشيد - على صلة في تلك الفترة بالحجاز، وعلى علاقة وثيقة بالملك عبد العزيز. لكن المعلومة الأهم في تاريخ هذه الصحيفة أن ملكيتها (امتيازها) قد آلت بعد مضي نحو ثلاث سنوات من صدورها إلى الشركة العربية للطبع والنشر التي كان الأديب السعودي الكبير محمد سرور الصبان أبرز مالكيها، لكن تحريرها ظل في يد مجموعة من أبرز أدباء الحجاز ومثقفيها، كما حظيت مع وضعها الجديد بإمكانات مالية أوفر مكّنتها من تحسين تجهيزاتها الطباعية والمكتبية. أما عن كون هذه الجريدة نواة جريدة (البلاد) التي تصدر حتى تاريخه، فلأن مالكها - وهو الشركة العربية للطبع والنشر - قد أعاد إصدارها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واستمر ترقيم أعدادها السابقة قبل الحرب، مما يدلل على أنها امتداد للأولى وإن تغيّر اسمها ورئيس تحريرها. إن القارئ السعودي يتطلع بلهفة إلى أن تستمر جهود الدكتور الحازمي في إصدار هذا المعجم، ولعله يفكر في تحويل هذه الفكرة إلى دار متخصصة، في عمل مؤسسي مستمر، يسير على النهج التوثيقي العلمي المحكم الذي رسمه والتزم به د. الحازمي في عملية القيمين.
طلال مداح مؤسِّس الحداثة الغنائية السعودية (2-5):
البحث عن خارطة لأجيال غنائية سعودية

أحمد الواصل
رصدنا في الحلقة الأولى من هذه الدراسة المركزة على تجربة طلال مداح (1940-200) في المشهد الغنائي السعودي وما كانت تمثله المقدمة من قراءة لمصادر الغناء كمرجعية لجيل طلال مداح خلال منتصف القرن الماضي.
نحو خارطة لأجيال الغناء
إن رسم خارطة للأجيال الغنائية من خلال مقاربة تحقيب تعطي فرصة لمعرفة المنعطف الحاسم الذي وضعه طلال مداح مشتركاً مع صوت عبدالكريم عبدالقادر ومصطفى أحمد في الكويت كذلك عبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة في مصر وفيروز ووداد في لبنان إبان مرحلة الستينيات. يسجل لنا التاريخ أن أول من سجَّل في القاهرة أعمالاً غنائية من منطقة الحجاز هو الشريف هاشم العبدلي (ت.1926) حيث سجل خمسة أعمال مختارة بين مجسين: "سبَت بذات المحيا وصاح في العاشقين" ودانتين: "ترفَّق عَذُولي وبات ساجي الطرف" ومجرور واحد: "إلهي سألتك" لصالح شركة ميشيان عام 1919-
1920.ويذكر أن القنصلية الهولندية قد سجلت في عام 1905بعض التسجيلات الارتجالية لأصوات حجيج وآذان كذلك بعض نماذج غناء فريق من مجاميع غناء فن الصهبة ويذكر كان من بينهم المغني الكبير حسن جاوة، ولكن نبقى على ما سجَّله العبدلي حيث يمثل أول تسجيل حفظ للغناء الحجازي، وإن كان لم يسعف الزمن للعبدلي البقاء لفترة أطول لنرى مسيرة تطوره بينما بقي فترة حياة أطول كل من لحقه ممن سجل مثل القمندان من اليمن، وعبداللطيف الكويتي وعبدالله فضالة من الكويت كذلك ضاحي بن وليد ومحمد بن فارس من البحرين.
لم يكن فن الغناء مهنة في الحجاز ولا "نجد" بينما كان يعرف الخاصَّة في الإنشاد الديني في المولد النبوي وأداء المجس في الأفراح في الحجاز، مثل: إبراهيم السمان كذلك ترنيم نصوص المواعظ والحكمة وقراءة القصائد بإلقاء غنائي في نجد مثل: عبدالله العجيري (ت.1932). وإذا أردنا رسم خارطة تحقيب لأسماء شكلت مدارس الغناء في الحجاز بين المكي والمدني والطائفي حيث كانت الطائف معلماً صيفياً لإحياء الأمسيات والأفراح ما وفر تلاقح التجربة والتعلم بين الأجيال في نقل وتلقي الفنون وإعادة تدويرها بين بعضهم بعضاً.
سنعرف جيلاً مؤسِّساً من رواة الغناء ونقلته يغلب أن يكونوا من مواليد نهايات القرن التاسع عشر بين (1870-1899) الذين لم يسجل منهم إلا القليل عبر هواة/سمِّيعة لأعمالهم يحضرون الحفلات والأفراح التي يحيونها فيما لم يسع أحد منهم إلى تسجيلها لكونها لم تكن عملاً أو مهنة احترافية سنجد أساطين كباراً مثل: حسن جاوة وإسماعيل كردوس وسعيد شبانة ثم سعيد أبو خشبة الذي جعل من الفن عملاً احترافياً لكونه، غير إجادته الغناء، كان عازفاً متمكناً على الآلات الوترية.
وطلع، في مرحلة لاحقة، جيل في أكثره لم يكن متفرغاً للغناء مثل: محسن شلبي (1912-1980) ومحمد علي سندي (ت.1984) ومحمود حلواني وعبدالرحمن مؤذن الذين لمعوا في الأربعينيات فواصلوا طريق الغناء وتميز محمد علي سندي بتمكنه العزف على العود كذلك معرفته الواسعة بالأغاني المصرية من قصائد وطقاطيق جعلته يفترق عن غنائهم فيما لم تخل جلسات غنائية حفظ بعضها الهواة من مبارزات أداء بينه وبين مؤذن بمرافقة لعمر باعشن عازف الكمان والمغني في الألوان الغنائية الصعبة الأداء مثل المجس والدان فيما سجَّل التلفزيون السعودي بعض أغاني سندي نهاية السبعينيات.
يلحق بذلك الجيل التقليدي المحترف جيل ثالث توفرت له منافذ تعلم الغناء والموسيقى كذلك منافذ الإذاعة والمسرح. بدت في الجيل الثالث ملامح مدارس لحنية وطرق أداء متباينة لكونها بدأت إرهاصات انفصال شخصية المغني عن الملحن كذلك وضحت آثار تطور قوالب وطرق تلحين الغناء العربي على أعمال بعضهم، وهذا الجيل يظهر على رأسه: مطلق الذيابي وطارق عبدالحكيم ومحمد الإدريسي وعبدالله محمد كذلك أبو سعود الحمادي وشادي الرياض (سعد اليحيا)، وتنوعت ملامح النتاج الغنائي بين القصيدة والموشح عند الذيابي كذلك تطوير الموروث الغنائي عند عبدالحكيم فيما بانت ملامح الأغنية كقالب فني يحمل سمة البيئة عند عبدالله محمد ومحسون والحمَّادي.
إن توجه حناجر إلى تسجيل الأسطوانات في البحرين (سالم فون وجرجي فون)، ونشوء الإذاعة وتوفر قسم الموسيقى فيها ومساهمة مطلق الذيابي الشاعر والملحن والمغني، وعازف القانون زين عبدالغفار وعازف الكمان عبدالله ماجد كذلك نشوء مدرسة موسيقات الجيش العربي السعودي عام 1953بإدارة طارق عبدالحكيم وتخريجه مجموعة من العازفين الأفذاذ مثل عبده مزيد وثواب عبيد ومحمد عشي وزيني عبدالغفار وعبدالله ماجد كل هذه الأسباب مجتمعة ساهمت في دعم فن الغناء كاشفة عن تباين الأدوار الإدارية والإنتاجية والإبداعية. وهذا كله أسهم في النقلة التي جاءت على أيدي تلامذة الجيل السابق الذي استطاع أن يضع لبنة أساسية في صناعة الأغنية السعودية.
صوت الأرض إذا غنى
ظهر صوت طلال مداح بين جيل سابق له من الملحنين-المغنين مثل: عبدالله محمد وفوزي محسون وبين مغنين تقليديين أو شعراء مغنين مثل: مطلق الذيابي وأبو سعود الحمادي كذلك من جايله مثل الملحنين-المغنين: جميل محمود وغازي علي والشعراء-المغنين: سعد إبراهيم وعبدالله السلوم. توفرت لطلال مداح فرصة دعم كبيرة كموهبة تمايزت بين مجموعة من المواهب الكبيرة المختلطة بين الشعر والتلحين والغناء كذلك تمكن طلال من التفكير بشكل الأغنية بينه وبين صاحبه عبدالرحمن خوندة عازف الكمان ومعلِّمه محمد الريِّس خلال فترة البداية التي أسهمت فيها ألحان عبدالله محمد بشكل كبير عوضاً عن تأثر كبير لطلال بعبدالله محمد من خلال لحنه الشهير: سويعات الأصيل.
واستطاع طلال أن يحسم أمر موقفه من شكل الأغنية التي كانت تتخذ جملة شعرية ولحنية موحدة متكررة في الأغنية ما لم يكسر رتابتها ارتجال لحني أو موال أو رقصة، وهذا تجلى في ألحان طارق عبدالحكيم وفوزي محسون وعبدالله محمد، وقد وضع طلال ذلك في ذهنه ليضع لحنه الأول: ورد يا زارع الورد - 1960(كلمات عبدالكريم خزام) حيث دعمه الإعلامي عباس غزَّاوي ومطلق الذيابي الذي كان يرى في صوته ما يختلف عن الأجيال السابقة وهذا ما جعله يرفض لاحقاً إجازة صوت فوزي محسون مغنياً في الإذاعة لأنه لم يكن Style أي ذا أسلوب مختلف!.
كانت رحلة طلال إلى بيروت عام 1962التي سجَّل فيها قصيدة: سويعات الأصيل (ندى الجزيرة-محمد الإدريسي)، وأغنية: أهل الهوى (شاعر نجدي) من التراث الخليجي أولى تجاربه في احتراف الغناء. ونلمس في تسجيل طلال لقصيدة كذلك من تراث خارج منطقته ما يكشف ثقافة وتطلع طلال نفسه إلى شكل الأغنية وإلى تشربه ألواناً مغايرة، وهذه سمات لمن سيعبّر عن إرهاص حداثة عربية لا تنخدع بمجرد الانتشار والذيوع فيما تبقى المكونات المحلية تنقل جمهوره معه لا تتيح له الانفتاح على جمهور مغاير.


جريدة الرياض الجمعه 9 جمادى الآخر 1429هـ -13 يونيو2008م - العدد 14599

العته الليبي مستمر : دكتور ليبي يرى إن وحدة المسلمين تبدأ "بتحرير الحجاز"

زعمت شخصية ليبية أن الطريق الى وحدة المسلمين يبدأ " بتحرير بيت الله والحجاز"، مشيرا خلال حفل أحيته السفارة الإيرانية بطرابلس الأربعاء الماضي بمناسبة الذكرى السنوية التاسعة عشر لرحيل الخميني الى ان كل الليبيين شيعة. واوضح الأمين المساعد لـ "المجمع العلمي للسادة الأشراف" والقيادي بحركة اللجان الثورية الدكتور محمد الشحومي خلال الحفل الذي حضره أعضاء من السلك الدبلوماسي المعتمدين في ليبيا : "بعيدا عن حسابات القيادة الليبية وتحرجها أقول بكل صراحة ما لم نتمكن من تطهير بيت الله من الرجس، وما لم نتمكن من تخليص بيت الله من سيطرة المذهب الواحد، ويصبح مشاعا لكل المذاهب الإسلامية المعترف بها، لن تتحقق الوحدة الإسلامية، طريق الوحدة الإسلامية يمر عبر تحرير الحجاز", وذلك في إشارة الى السعودية –حسبما ذكرت صحيفة ليبية-.الى ذلك رأى الشحومي ان كل الليبيين شيعة, مستدلا على ذلك بقوله:" ألسنا نقول اللهم صل على النبي والسيد علي، أليست أكثر الأسماء المتداولة عندنا هي الحسن والحسين وعلي وفاطمة.. أما المذهب الفقهي فالإمام مالك هو تلميذ لجعفر الصادق".
المصدر : صحيفة سبق